حشد الإخوان المسلمون مظاهرة اهتزت لها جنبات القاهرة في 15/12/1947 شارك فيها الأزهر والجامعة.. وتجمعت في ميدان الأوبرا، خطب فيها رياض الصلح.. والأمير فيصل بن عبدالعزيز، والشيخ محمود أبو العيون، وجميل مردم، والقمص متياس الإنطواني، والزعيم السوداني إسماعيل الأزهري .. والإمام الشهيد حسن البنا، وقد استهل الإمام الشهيد خطبته بقوله:

"لبيك فلسطين.. دماؤنا فداك فلسطين، وأرواحنا للعروبة، يا زعماء العرب، يا قادة الأمة العربية.. إنني أنادي الأمم المجاهدة، الحجاز، سوريا، العراق، الأردن، لبنان، وادي النيل، وكل عربي يجري في عروقه دم العروبة الحر..

 

أيها الزعماء.. أنتم القادة.. وهؤلاء الجنود.. قد وقفوا دماءهم لدفاعكم المقدس.. إن هذا الشباب ليس هازلاً.. ولكنهم جادون.. لما عاهدوا الله وعاهدوا الوطن على أن يموتوا من أجله.

 

لقد تألبت الدنيا تريد أن تسلبنا حقنا، وقد عاهدنا الله أن نموت كرامًا أو نعيش كرامًا.. إنني أعلن من فوق هذا المنبر أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في سبيل فلسطين".

 

فقضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره، وهي ميزان كرامته، ومقياس هيبته وقوته، وقد كان اهتمام الإخوان بقضية فلسطين واجبًا تفرضه الأخوة الإسلامية كما تفرضه عقيدة الجهاد؛ باعتبارهما من أهم ركائز الفكر السياسي الإسلامي التي تنظم علاقات المسلمين الداخلية فيما بينهم من جهة، وتنظم علاقاتهم الخارجية مع غيرهم من الدول والقوى غير الإسلامية من جهة أخرى.

 

أولا القضية الفلسطينية في فكر الجماعة:

اهتمام الإخوان بالقضية الفلسطينية يرجع لعدة اعتبارات منها:

أولاً: المكانة الخاصة التي تتمتع بها فلسطين في التصور الإسلامي، فهي أرض الأنبياء وبها المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.

 

ثانيًا: نوعية الاستعمار الذي ابتليت به فهو استعمار استيطاني ذو مشروع سياسي صهيوني يسعى الصهاينة لإقامته على أشلاء وأطلال المسلمين.

 

ثالثًا: الرابطة الوثيقة من منظور الاستراتيجية والأمن من بين مصر وفلسطين، إذ أن الدفاع عن مصر وقناة السويس يبدأ من فلسطين.

 

رابعًا: الموقع الفلسطينى الذي يمثل حلقة الوصل والربط بين شرق العالم العربي والإسلامي وغربه.

 

من هنا كان للقضية الفلسطينية وضعها الخاص عند الإمام الشهيد حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين، الذين اعتبروها قضية العالم الإسلامي بأسره.

 

وقد ركز الإخوان منذ البداية على التنديد بمزاعم اليهود في فلسطين، وهي التي تلخصها جملتهم المشهورة "ملك سليمان إسرائيل، من الفرات إلى النيل"، كما ميزوا بصراحة بين اليهودية كدين من ناحية، واليهود أتباع ذلك الدين وحركتهم الصهيونية السياسية الحديثة من ناحية أخرى.

 

لقد حذر الإخوان من الخطر الصهيوني قائلين " إن الصهيونية ليست حركة سياسية قاصرة على الوطن القومي لليهود أو الدولة المزعومة بالتقسيم الذي يسعون لتحقيقه، ولكنها ثمرة تدابير وجهود اليهودية العالمية، التي تهدف إلى تسخير العالم كله لحكم اليهود ومصلحة اليهود وزعامتهم، وليست دولتهم المزعومة من النيل إلى الفرات إلا نقطة ارتكاز تنقض منها الصهيونية على الأمة العربية دولة فدولة، ثم على المجموعة الإسلامية أمة بعد أمة.

 

وفي هذا الإطار حذر الإخوان من خطورة المشروع الاستعمارى التوسعي الذي تسعي إليه الصهيونية.

 

ومع تصاعد الاعتداءات الصهيونية عقب إعلان الدولة، كشف الإخوان عن حقيقة التحالف الغربي الصهيوني.

 

لقد حدد "الإخوان" العناصر الرئيسية في ذلك الحلف وهم أولاً: المنظمة الصهيونية، ثانيًا الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ثم الاتحاد السوفيتي السابق، ثالثًا: هيئة الأمم المتحدة التي شكك الإخوان في جدواها منذ البداية، حيث وصفها الإمام البنا بأنها ساحة لممارسة "النفاق الدولي".

 

ولم يكن اهتمام الإخوان المسلمين بالقضية الفلسطينية بعيدًا أو منفصلاً عن الفكر العام للجماعة، وإنما توافق الاهتمام بالقضية الفلسطينية مع الفكر العام للجماعة، والذي يقوم على اعتبار الجماعة هيئة إسلامية جامعة تسعى إلى تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، ولقد نظر الإخوان إلى فلسطين باعتبارها جانبًا من جوانب القضية الإسلامية التي يسعى الاستعمار إلى القضاء عليها، ولذا يؤكد الإخوان على أن قضية فلسطين ليست قضية قطر شرقى، ولا قضية الأمة العربية وحدها ولكنها قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعًا. وقد أدرك الإخوان أن لليهود أطماعهم في سيناء باعتبارها أرضًا مقدسة.

 

جهود الإخوان من أجل فلسطين:

جاءت جهود الإخوان في سبيل فلسطين على ثلاث ساحات أساسية: أولها: هو التعبئة والإعداد للقضية، ونقصد بذلك التعريف بها وتعبئة المشاعر استعدادًا للجهاد في سبيلها، وثانيها: يتمثل في القيام بتقديم المشروعات والبرامج العملية لحل القضية بصفة عامة، ولمعالجة المشاكل الفرعية التي نجمت عنها وارتبطت بها بصفة خاصة، أما ثالثها: فهو القيام بالمشاركة الفعلية في الجهاد ضد اليهود على أرض فلسطين.

 

أولاً: جهود الإخوان في التعبئة والإعداد للقضية:

بدأت إرهاصات اهتمام الإخوان بقضية فلسطين منذ السنوات الأولى لتأسيس الجماعة ففي مقال كتبه الإمام البنا 1929 أشار إلى تصاعد الخطر اليهودي في فلسطين، ومع نشوب ثورة 1936 بذل الإخوان جهدًا ملموسًا للتعريف بالقضية ولفت الأنظار إليها، منها إلقاء الخطب أيام الجمع عن فلسطين، وتوزيع الكتيبات التي تهاجم الإنجليز وتفضح مواقفهم الممالئة لليهود، وتوجيه النداءات وعقد الاجتماعات والمؤتمرات لشرح أبعاد القضية، كما تم استخدام الصحافة والقيام بالمظاهرات، ففي 1937 نظم الإخوان مظاهرات طافت القاهرة والأقاليم في ذكرى وعد بلفور؛ للتعبير عن رفضهم له والاحتجاج على السياسة البريطانية التي تحابي اليهود على حساب العرب.

 

ولا شك في أن جهود الإخوان في التعريف بالقضية قد أسهمت في إظهار الهوية الإسلامية لقضية فلسطين والتأكيد عليها وبث الوعي بها لدى القطاعات العريضة من الجماهير.

 

ثانيا: الإعداد للجهاد والتبشير به:

أعلن الإخوان المسلمون منذ البداية "أنهم سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل الحفاظ على كل شبر من فلسطين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وعلى هذا المنوال حفلت صحافة الإخوان قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها بالموضوعات التي تستحث الهمم للاستعداد لخوض الجهاد ضد اليهود المعتدين على جزء من الوطن الإسلامي، كما حفلت بالمواضيع التي تستعرض تاريخ اليهود، وتذكر بمؤامرتهم ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومكائدهم في عصر الخلفاء، واستمرارهم في ذلك إلى العصر الحديث.

 

وقد ناشد الإخوان العرب والمسلمين على مستوى الحكام ومستوى الشعوب أن يكونوا على أهبة الاستعداد للجهاد ومساعدة فلسطين.