أثارت تعيينات قضائية قام بها مؤخرا قائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي مخاوف من تأثيرها في استقلالية القضاء وتزايد تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.

وتواجه المنظومة القضائية في عهد الانقلاب انتقادات واسعة بشأن أدائها القضائي من منظمات حقوق الإنسان. 

وخلال يوليو الماضي، عين "السيسي" رئيسا للمحكمة الدستورية العليا ورئيسا لمحكمة النقض ورئيسا لهيئة النيابة الإدارية.

وجاءت قرارات "السيسي"، للمرة الأولى، كخيارات مطلقة خالية من أي اعتبارات أو معايير كـ"الأقدمية" التي كانت دائما معيار الاختيار في تعيين رؤساء الهيئات القضائية الذي يقوم به وزير العدل، ليتم التصديق عليه من "الرئيس". 

واستند الخائن السيسي في التعيينات الجديدة إلى تعديلات دستور العسكر التي أقرت في استفتاء في أبريل الماضي، ومنحته صلاحية تعيين مسئولي الهيئات القضائية بين أقدم 7 قضاة لكل هيئة.

ورغم المخاوف، تبقى الأصوات الناقدة خافتة وغير قادرة على التغيير أو التصدي لما يحدث.

 وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"- في بيان- إن المواد المعدلة "تمنح السيسي صلاحيات إشراف واسعة، وهي غير خاضعة للرقابة على السلطة القضائية والنيابة العامة، في تعارض مع المبادئ الأساسية لسيادة القانون المتعلقة بفصل السلطات، واستقلالية القضاء، والحق في المحاكمة العادلة".

 وترفض حكومة العسكر باستمرار هذه الانتقادات، وتعتبرها تدخلا في شأن داخلي لا ينبغي المساس به.

السلطة التنفيذية

واعتبر قاض، رفض الكشف عن اسمه، أن "ضمانات القاضي في الاستقلال تكمن في أن يبقى بعيدا عن السلطة التنفيذية، ولكن ذلك يتضارب مع كون نقله وترقيته وانتدابه وتأديبه سيكون متداخلا مع السيسي". 

وأشار إلى أن المواد التي سمحت لقائد الانقلاب بتعيين القضاة "تنتقص من استقلال القاضي الحر، وقد تساعد أكثر من ذلك في أن يطمع أي قاض غير مستقل في الحصول على المناصب والميزات"، من خلال علاقته بالسلطة.

في الإطار ذاته، قال الناشط الحقوقي جمال عيد: إن التعديلات القضائية "تضعف موقف القضاء المصري ولا تقوّيه، وتزيد من تآكل استقلاله". 

وأوضح "عيد"، وهو محام للعديد من متهمي قضايا الرأي ، أن مؤشر سيادة القانون الذي تصدره منظمة "مشروع العدالة العالمي" منذ 2006، ومقرها واشنطن، أتى بمصر في المركز الـ121 من أصل 126 دولة مشاركة.

 ولفت إلى أن هذا المؤشر يقيّم أداء الدول في نواح عديدة متعلقة بسيادة القانون، مثل القيود على سلطات حكومة الانقلاب ومكافحة الفساد والحقوق الأساسية والأمن والإجراءات الإصلاحية والقانون المدني وقانون العقوبات.

وترىمات حقوقية أن التعديلات الدستورية الأخيرة والسلطات الممنوحة لقائد الانقلاب السيسي في مجال القضاء لا تحسّن من وضع مصر القضائي، ووجّهت منظمات حقوقية دولية ومحلية انتقادات لهذه التعديلات لعدم إعمال مبدأي الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء فيها.

المحكمة الدستورية

وحول تعيين المستشار سعيد مرعي ثاني أقدم أعضاء المحكمة الدستورية العليا، رئيسا لها، وتجاهل أقدم الأعضاء المستشار محمد خيري طه، ومن المقرر أن يستمر "مرعي" رئيسا للمحكمة لحين بلوغه سنّ التقاعد في أغسطس 2024، ما يعني أنه سيكون أحد أطول رؤساء المحكمة بقاءً في هذا المنصب الرفيع. 

وكشفت مصادر في وزارة العدل بحكومة الانقلاب عن الأسباب الحقيقية بهذا التعيين، وقالت المصادر: إن "خيري" سبق أن جاهر بمعارضته تعديل دستور العسكر، وأبدى رفضه وضع المادّة الانتقالية الخاصة التي تجيز تجديد "انتخاب السيسي بعد انتهاء فترة رئاسته الحالية"، فضلاً عن التعديلات الخاصة بالهيئات القضائية. 

وأضافت المصادر، التي رفضت الكشف عن هويتها، أن جهازا أمنيا راجع مضابط اللجان التي شارك فيها "خيري".

وسبق لـ"السيسي" الخائن أن عيّن خامس أقدم قاض بمحكمة النقض رئيسا للمحكمة، وسابع أقدم عضو بهيئة النيابة الإدارية رئيسا للهيئة.