تنكر عصابة المنقلب عبدالفتاح السيسي مطلقا جريمة الإخفاء القسري لآلاف المواطنين منذ الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في التاريخ المصري في الثالث من يوليو 2013، ورغم تأكيد منظمات حقوقية مصرية ودولية وصول عدد المختفين قسريا إلى نحو 3 آلاف حالة منذ الانقلاب، ينفي المجرم السيسي وجود أي مختفين، ويزعم أن بعض المختفين انضموا لتنظيم داعشن ويدعي أن الإجراءات القانونية تسير على قدم وساق للكشف عن مصير المختفين، على حد زعمه.

في المقابل تكشف منظمات دولية ذات خبرة في العمل الحقوقي مثل هيومن رايتس ووتش عن إجرام نظام العسكر ليس في الإخفاء القسري فحسب، بل في القتل وتصفية المعارضين والاعتقالات والتعذيب إلى آخر ذلك من الانتهاكات التي لا تعد ولا تحصى.

هل عدم الاعتراف يكشف عن خوف السيسي من المحاكمات الدولية والانتقادات الحقوقية من جانب منظمات المجتمع المدني في الداخل والخارج؟ وهل من الممكن وضع حد لهذه الجريمة ومنع ميليشيات العسكر من ارتكابها؟ وكيف يمكن مساعدة ذوي المختفين، في يوم ضحايا الاختفاء القسري الذي يحتفل به العالم يوم 30 أغسطس من كل عام؟

الإخفاء القسري

الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي تم اعتمادها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2010 تعرف الاختفاء القسري على أنه الاحتجاز أو الاختطاف، أو أي عمل يحرم الإنسان من حريته، على يد جهة تابعة لسلطة ما أو أشخاص يتصرفون بدعمها أو إذنها، ولا تعترف تلك الجهة بحرمان المختفي أو المختطف من حريته، بل تنكر معرفة مصيره ومكان وجوده.

وتنص الاتفاقية الدولية في المادة الأولى على أنه: لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري.

وتعتبر المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية "الاختفاء القسري" جريمة ضد الإنسانية، ولذلك يعتبر ضمن الولاية القانونية لها.

وتعرفه الفقرة (ط مكررة) من نفس المادة بأنه "إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل، أو بسكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم، أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة".

كما تنص الاتفاقية في مادتها الأولى على أنه "لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري"، وفي المادة الثانية على أنه "لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري".

وتؤكد المادة السابعة من نفس الاتفاقية على تجريم "كل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها" مشيرة الى انها جريمة لا تسقط بالتقادم

لا تسقط بالتقادم

فى المقابل لم يعتمد المشرع المصري فى عهد العسكر نصا صريحا لتجريم الاختفاء القسري على الرغم من تجريمه للانتهاكات الناتجة عن الاختفاء القسري كحظر التعذيب وضرورة حماية الأشخاص قانونيا عن طريق التواصل مع ذويهم ومحاميهم ، غير أن بعض التشريعات التي صدرت مؤخرا مثل القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن قانون مكافحة الإرهاب والتي جاءت المادة 8 و 40 و 41 و42 منه بقواعد تقنن الاختفاء القسري وتعطى القائمين على إنفاذ القوانين - رجال الشرطة والقوات المسلحة وغيرهم من الموظفين الممنوحين صفة الضبطية القضائية بقانون او بقرار من وزير العدل - سلطات بالمخالفة للدستور وتعفيهم من العقاب وتقنن الاستعمال غير المشروع للقوة.

تصغية 56 مواطنا

من جانبه كشف مركز الشهاب لحقوق الإنسان (SHR) قيام وزارة الداخلية بحكومة العسكر بقتل وتصفية 56 مواطنا، كانوا رهن الاختفاء القسري، بعد إلقاء أجهزة الأمن القبض عليهم. مشددا على ضرورة "محاسبة المسؤولين عن ممارسة الإخفاء القسري من قيادات داخلية الانقلاب "

وقال: "خلال العامين السابقين، دأبت داخلية الانقلاب على إصدار بيانات، تزعم فيها أنها قد هاجمت -كما تقول- وكرا للإرهابيين، وتبادلت معهم إطلاق النار وقتلهم، ثم يفاجأ أهالي بعض المختفين قسريا بأن أسماء ذويهم ضمن من قامت الداخلية بقتلهم".

وأشار مركز الشهاب إلى أنه في حالات قتل المختفين قسريا يوجد شهود على أنه تم القبض عليهم من منازلهم، ومن كمائن أمنية، قبل الوقائع المذكورة في بيانات داخلية الانقلاب، التي تفيد بقتلهم بزعم تبادل إطلاق النار".

وأكد أن "بعض هذه الحالات حررت أسرهم محاضر شرطية باختفائهم قسريا قبل صدور بيان داخلية الانقلاب، وبعض هذه الحالات أرسل ذووهم مناشدات وتلغرافات للنائب العام ووزير داخلية الانقلاب تفيد اختفائهم  مشيرا الى ان "بعض هذه الحالات نشرت المنظمات الحقوقية مناشدات واستغاثات من قبل ذويهم، بعدما تم القبض عليهم وتعرضهم للاختفاء القسري قبل صدور بيانات وبعض هذه الحالات عندما ذهب ذووهم لاستلام جثثهم وجدوا آثار تعذيب واضحة عليها".

ووصف "بيانات داخلية الانقلاب بشأن مقتل هؤلاء، بانه سيناريو مكرر دون تغيير يتم نشره مباشرة عقب كل عملية قتل"، مؤكدا أنه "لم يتم تقديم دليل واحد ضد هؤلاء على اقترافهم أعمال إرهابية، ولم يتم تقديم دليل واحد من ميلشيات الانقلاب يفيد بحدوث اشتباك وتبادل إطلاق نار".

وأضاف المركز: " أصبح الاختفاء القسري خلال السنوات الست الأخيرة سمة ممنهجة لسلطات العسكر، وترد إلينا مئات الشكاوى بأسماء مختفين قسريا، لم يستدل على مكانهم بعد رحلة بحث شاقة بين أروقة ومقرات الجهات الأمنية".

ونوه بأن "الاختفاء القسري يُعدّ من أكثر الحالات التي تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان، والتي تشكل جريمة دولية، إذ إن الشخص الذي يتعرض للاختفاء القسري يصبح محروما من كافة حقوقه الإنسانية، فهو لا يجد من يدافع عنه، ويحيا كأنه خارج نطاق حماية القانون" .

لجنة تقصي حقائق

وأوضح أن "عشرات البلاغات بشأن الاختفاء القسري لم يتم التحقيق بها، ولم يستدل على مكان احتجاز المختفي، وحتى عقب إعلان داخلية الانقلاب عن مقتل بعض الأفراد، كما تدعي، في تبادل لإطلاق النار".

وكشف المركز ان ذوى المختفين "يُقدمون المستندات والشهود وغيرها من الأدلة التي تفيد بأنه تم القبض عليهم من قبل قوات الأمن، وأنهم كانوا رهن الاختفاء القسري، لكن لا يتم التحقيق في ذلك من قبل السلطات، ما يوضح أنها على علم بجريمة جهاز الشرطة، وتتستر عليها".

واعتبر إن "الاختفاء القسري يمثل تحديا لمفهوم حقوق الإنسان بشكل مطلق، فهو يجرد الإنسان من صفته الإنسانية، كما يُعد من أعلى مستويات الفساد، وسوء استخدام السلطة، حيث يحرم الإنسان من الحق في الحياة بقتله بعد إخفائه قسريا".

وطالب الحكومات والهيئات والمنظمات الدولية بالعمل على "التوقيع والتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري من قبل حكومة الانقلاب، مشددا على ضرورة تجريم الاختفاء القسري في الدستور والقانون المصري، وبشكل صريح، مع اعتبارها جريمة لا تسقط بالتقادم، ووضع عقوبة رادعة لمن يثبت اقترافه تلك الجريمة أو من يتستر عليها".

كما طالب المركز بتسيير لجنة تقصي حقائق من قبل الأمم المتحدة، بخصوص حالات الإخفاء القسري التي تم قتلها وفتح تحقيقات موسعة حول ما تم خلال هذه الجريمة وما تم بعدها من ممارسات مخالفة للقانون أدت للقتل".

وشدّد على ضرورة "محاسبة المسؤولين عن ممارسة الإخفاء القسري من قيادات داخلية الانقلاب، والمخابرات والمسؤولين عن احتجاز أشخاص دون وجه حق، داخل أماكن احتجاز غير قانونية أو سرية داعيا الى تفعيل دور الرقابة الدورية من قبل النيابة والقضاء على المقرات السرية التابعة لجهاز الشرطة، والسجون، ومعسكرات الأمن المركزي، والسجون العسكرية غير المعلومة، وتقديم المسؤولين عن الإخفاء دون سند قانوني للمحاسبة".

سياسة ممنهجة

واكدت منظمة "كوميتي فور جستس" الحقوقية استمرار جريمة الاختفاء القسري في عهد العسكر، وأنها تتم بشكل ممنهج بحق الناشطين والحقوقيين والعديد من المواطنين، مشيرة الى عدم تعاون سلطات الانقلاب معها في "الإجراءات" بالتزامن مع تقليص مساحة المجتمع المدني، واستهداف النشطاء الحقوقيين الذين يعملون على توثيق تلك الجريمة.

وقالت المنظمة: إن "فريق الاختفاء القسري عمل منذ إنشائه في ثمانينيات القرن الماضي، على 173 قضية اختفاء قسري في مصر، وأن هناك 285 حالة لم يقم الفريق بالبتّ فيها، ما زالت قيد الاستعراض.

ووفق رصد وتوثيق فريق "كوميتي فور جستس" في الفترة الزمنية من أغسطس 2017 إلى أغسطس 2018، فإن عدد حالات الاختفاء القسري الجديدة في عهد الانقلاب بلغت 1989 حالة، وعدد الحالات التي تم رصد ظهورها بعد الاختفاء القسري 1830 حالة، وعدد الحالات التي تم توثيقها 318 حالة، فيما بلغ عدد الشكاوى التي قُدمت إلى الآليات الدولية لمساعدة ضحايا الاختفاء القسري 141 شكوى، ولم يتم إحالة بلاغ واحد من مئات البلاغات المقدمة من الضحايا أو ممثليهم إلى التحقيق الجدّي.

وأشارت المنظمة إلى أنها بالقلق إزاء عدد الحالات الجديدة وشكاوى الاختفاء القسري التي ما زالت تتلقّاها. مؤكدة تعرض المشاركين في التحقيق في حالات الاختفاء القسري لسوء معاملة وتخويف وتهديدات بالانتقام.

وأكدت أنه رغم النداءات المتكررة لمعالجة ما يبدو أنها مشكلة منهجية في عهد العسكر تتعلق بحالات الاختفاء القسري فإن الأحوال لا يبدو أنها تحسنت، مطالبة نظام العسكر ِباتخاذ إجراء عاجل في هذا الصدد، بما في ذلك اتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث حالات مماثلة في المستقبل.

حقوق الإنسان

منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان رصدت خلال مارس الماضي 71 حالة انتهاك ضد حقوق الإنسان توزعت هذه الانتهاكات بين 45 حالة اختفاء قسري، و18 انتهاكا ضد الموقوفين داخل مقار الاحتجاز، وعشر حالات إهمال طبي، وثماني حالات تعذيب، وسبع حالات انتهاكات لحقوق عمال.

وقالت: رغم انخفاض وتيرة الانتهاكات الحقوقية فإن جريمة الاختفاء القسري زادت بشكل مرعب .

وطالبت المنظمة الحقوقية -ومقرها لندن- سلطات العسكر بـ"الالتزام بمبادئ ومواثيق حقوق الإنسان التي صدقت عليها، والعمل على محاسبة مرتكبي الجرائم ووقف الانتهاكات".

شكوى عاجلة

وكشفت منظمة هيومن رايتس مونيتور: إنها تقدمت بشكوى عاجلة مجمعة إلى الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري في الأمم المتحدة، وكذلك للمقرر الخاص بالاعتقال التعسفي، بشأن ظاهرة الاختفاء القسري التي يعاني منها كثير من المصريين فى عهد السيسي

وأعربت عن "قلقلها إزاء تنامي تلك الظاهرة في الأيام القليلة الماضية، واختفاء عشرات المواطنين في عدة محافظات، دون التعرف على مصيرهم؛ الأمر الذي يصنفه القانون الدولي على أنه جريمة ضد الإنسانية".

وأضافت المنظمة أن "جرائم الاختفاء القسري التي ترتكب في مصر، جميعها مخالف للإتفاقيات الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي صدقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 61\ 177، في ديسمبر 2006، والتي تستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وإلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك طبقًا للمواد 1،2،3، 4، 5، 6 والتي تجرم تعرض أي شخص للاختفاء القسري، وتُوجب على الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لتحمل المسئولية الجنائية في ذلك".

الحبس الاحتياطي

وأشارت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" التي أطلقتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات إلى أنها وثقت جريمة الاختفاء القسري بحق 1520 حالة في مصر، الفترة من 30 يونيو 2013، وحتى 1 أغسطس 2018 .

وقالت إنها رصدت 64 حالة أخرى، لكن لم تتمكن من توثيقها نتيجة صعوبات في التواصل مع أسر الضحايا، أو بسبب تعطل العمل نتيجة مخاطر أمنية يتعرض لها العمل الحقوقي بشكل متكرر في هذه الفترة لافتة إلى أنها وثقت 8 حالات تعرض أصحابها للاختفاء القسري أثناء تنفيذ إجراءات إخلاء سبيلهم.

ودعت الحملة المتعاطفين مع ضحايا الاختفاء القسري للتدوين عن هذه الجريمة وضحاياها، وإبراز معاناة ذويهم الباحثين عن معرفة مصيرهم.

وقالت إن جريمة الاختفاء القسري شملت صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء، مشيرة إلى ظهور بعضهم أمام نيابة أمن الدولة على ذمة قضايا ملفقة، كما جرت العادة أن يتعرض الضحايا للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم لإرغامهم على الإدلاء بمعلومات، أو الاعتراف بجرائم، أو للتنكيل بهم، ثم إيداعهم في السجون، وحبسهم احتياطيا لمدد طويلة كنوع من أنواع الاعتقال.