يواصل نظام الانقلاب سياساته الرامية لكبت الصحافة ووسائل الإعلام وقمع الصحفيين، سواء من خلال قرارات حجب المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت أو إصدار قوانين مكبلة تمنع الصحفي والإعلامي من أداء رسالته وتجبره على التطبيل لنظام العسكر أو منعه من العمل.

 

كان ما يسمى "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" قد أصدر، أمس، قائمة بمعايير تزعم تنظيم العمل الصحفي والإعلامي، بشأن التغطيات المتعلقة بالحوادث الإرهابية، والأحداث الرياضية، وقضايا المرأة، بذريعة ضمان التزام المؤسسات الصحفية والإعلامية بأصول المهنة، وأخلاقياتها، والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، والقواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفي والإعلامي والإعلاني.

وزعم المجلس أن تلك المعايير إحدى المفردات التي تتكون منها لائحة الجزاءات والتدابير الإدارية والمالية، التي يجوز توقيعها على الجهات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الصحافة والإعلام، فضلاً عن كونها جزءا لا يتجزأ من لائحة التراخيص الصادرة عن المجلس إزاء تنظيم العمل الإعلامي والصحافي، ويكون عدم الالتزام بها سببا لإلغاء الترخيص.

وأشار إلى تطبيق اللائحة على جميع المؤسسات الصحفية القومية والخاصة، والمؤسسات الإعلامية العامة والخاصة، والوسائل الإعلامية العامة والخاصة، والمواقع الإلكترونية والصحف، مشددا على ضرورة التزام المؤسسات الصحفية والإعلامية بعدم تقديم أية معلومات إلا بعد التأكد من دقتها، والتزام الصحفي أو الإعلامي بعدم إخفاء أي جزء منها أو تشويهها.

512 موقعا

في سياق متصل أوصت لجنة لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بحجب 10 مواقع بزعم نشر شائعات في واقعة "إغماء مدرسة بورسعيد" لتضاف إلى أكثر من 500 موقع تم حجبها من قبل  بدون قانون أو جهة محددة مسئولة عن الحجب.

ومنذ صدور قانون تنظيم الصحافة والإعلام، توسع المجلس الأعلى للإعلام في قرارات الحجب والإيقاف والمنع، وفقا للصلاحيات التي منحها له القانون، فيما يتعلق بـ"الآداب العامة"، و"النظام العام"، و"الأمن القومي".

وتنص المادة الرابعة من الباب اﻷول في قانون تنظيم الصحافة والإعلام على: "يُحظر على المؤسسة الصحفية والوسيلة الإعلامية والموقع الإلكتروني نشر أو بث أي مادة أو إعلان يتعارض محتواه مع أحكام الدستور، أو تدعو إلى مخالفة القانون، أو تخالف الالتزامات الواردة في ميثاق الشرف المهني، أو تخالف النظام العام والآداب العامة، أو يحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية.

وتضمنت المادة: "وللمجلس الأعلى، للاعتبارات التى يقتضيها الأمن القومي، أن يمنع مطبوعات، أو صحفًا، أومواد إعلامية أو إعلانية، صدرت أو جرى بثها من الخارج، من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض".

يشار إلى أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير أكدت في تقرير نشرته بموقعها على الإنترنت ارتفاع عدد المواقع الإلكترونية التي تعرّضت للحجب في مصر إلى 512 موقعا، وفق آخر إحصاء قامت به مؤخرا.

وتقوم المؤسسة بإعداد حصيلة بالمواقع المحجوبة منذ 24 مايو 2017 وتنشرها على موقعها وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتقوم من آن لآخر بتحديث العدد وإضافة بعض المعلومات.

اغتصاب جديد

من جانبه، استنكر جمال عبدالرحيم، وكيل أول نقابة الصحفيين، هذه القرارات ووصف الأكواد والمعايير التي أعلن عنها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بأنها "اغتصاب" جديد وواضح لسُلطة نقابة الصحفيين على أعضائها، وذلك بما يُخالف المادة 77 من الدستور، التي تعطي الحق للنقابات المهنية فقط في مخاطبة أعضائها ومحاسبتهم.

وقال عبد الرحيم، في تصريحات صحفية، إن ميثاق الشرف الصحفي التابع للنقابة، يشتمل على ما جاء بتلك الأكواد والمعايير، وتطبقه النقابة على أعضائها منذ سنوات طويلة، وذلك وفقًا للدستور الذي أعطى لها وحدها حق محاسبة الصحفيين، مؤكدًا أن المجلس الأعلى للإعلام له الحق في ضبط الوسيلة الإعلامية والصحفية فقط، وما دون ذلك هو اختصاص النقابة.

وأضاف: "المجلس الأعلى خاطبنا خلال انعقاد انتخابات التجديد النصفي الماضية، لمناقشة الأكواد والمعايير وإبداء الرأي، ولم يكن المجلس في حالة انعقاد لظروف الانتخابات، وفيما بعد خاطبنا مرة أخرى بعدم حاجته لأخذ رأي النقابة في الأكواد والمعايير، إلا في مادتين فقط، وتمسكت النقابة بحقها في إبداء الرأي وفقًا للدستور والقانون، وما زالت"، لافتًا إلى أن مجلس النقابة سيناقش الأمر خلال اجتماعه المقبل.

واعتبر عبدالرحيم أن الأكواد والمعايير التي أقرها المجلس، هي واحدة من أهم أدوات الإعلام وهي تمثل قواعد العمل المهنية المُلزمة للوسائل الإعلامية والإعلاميين، وتحدد مواصفات الخبر وقواعد التغطية الإعلامية، وتضمن حقوق المشاهدين والإعلاميين، وتشمل قواعد التغطية الإعلامية المتخصصة (الأكواد).

وأضاف أن من بين هذه المعايير، الكود الخاص بالتعامل الإعلامي مع المرأة ويضم 13 معيارًا، وكود تغطية الحوادث الإرهابية ويضم 5 معايير، وكود حماية القيم والأخلاق ويضم 7 معايير، وكود قضايا الطفل ويضم 6 معايير، وكود ضمان حماية حقوق الملكية الفكرية ويضم 4 معايير، وكود الأعمال الدرامية ويضم 19 معيارًا، وكود التغطية الرياضية ويضم 17 معيارًا.

وأكد عبد الرحيم أن هذه الأكواد والمعايير، تتطابق مع قواعد الإعلام الدولية، وهي قواعد موحدة بالدول التي يتمتع إعلامها بالحرية والاستقلالية، وتتوافق مع مثيلاتها المطبقة في الاتحاد الأوروبي.

فشل متواصل

وعن قرارات حجب المواقع يقول عمرو بدر، عضو مجلس نقابة الصحفيين، إن هذه القرارات تعبر عن الواقع الذي تعيشه الصحافة المصرية، بأن أسهل طرق التعامل معها هو الحجب والقمع والنيابات.

ووصف بدر، قرارات المجلس الأعلى للإعلام بحجب المواقع الإخباريه بـ"الخطأ والفشل"، معتبرا أنه نتيجة سيئة لقانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي وصفه بـ"السيء".

وأضاف فى تصريحات صحفية :"للأسف هذا واقع الصحافة الآن، وتلك القرارات هي نتيجة القانون السيء الذي حذرنا منه أنا وخمسة من أعضاء مجلس النقابة، ولم يسمع لنا أحد".

وأشار عضو مجلس نقابة الصحفيين، إلى أن النصوص المطبقة في قانون تنظيم الصحافة غير دستورية، أي تخالف ما نص عليه الدستور بحظر وقف الصحف أو غلقها أو منعها أو مصادرتها بدون حكم قضائي.

وطالب بضرورة الطعن على دستورية النصوص التي تمنح المجلس الأعلى للإعلام حجب وغلق المواقع لأسباب متعلقة بالنشر والتحرير، والمنصوص عليها في قانون تنظيم الصحافة والإعلام، لافتا إلى أنه سيطرح على مجلس نقابة الصحفيين إمكانية الطعن على عدم دستورية هذه النصوص.

ونوه إلى أن هناك طرقا أخرى يمكن التعامل بها حال وجود أخطاء وقعت بها أي من الصحف أو المواقع، منها حق نشر الرد إذا تضرر أحد من نشر معلومات خاطئة، أو تقديم شكوى لنقابة الصحفيين وتحقق فيها، وهكذا طرق عديدة بدلا من أن يكون الحجب هو أسهل وأول الطرق.

وأعرب بدر عن تخوفه على مستقبل الصحافة في مصر، قائلا: "يمكن أن نستيقظ يوما ولا نجد مواقع ولا نعلم ماذا يحدث في بلدنا ولا البلاد من حولنا، أصبحنا نعيش في توتر وعصبية طول الوقت في مواجهة الصحافة، ومواجهة ما تنشره الصحافة، وكأنها وسيلة جديدة يتم تقنينها وترتيب أوضاعها رغم أنها موجودة منذ مائة عام".

نظم دكتاتورية

وقال عز الكومي، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى السابق، إن هذه اجراءات طبيعية في ظل النظم الاستبدادية الدكتاتورية، ليس هناك ضوابط أو قوانين حاكمة، مشيرا إلى أن الوضع في ظل النظام الانقلابي العسكري يسير على هذا النهج منذ خمسينيات القرن الماضي.

واعتبر الكومي أن "اقتحام العسكر للإعلام هو نوع من السيطرة والهيمنة للتحكم في الرسالة الإعلامية؛ مع إيجاد عدد من المطبلاتية بدرجة إعلاميين ليمارسوا عمليات الكذب الممنهج وخداع وإلهاء الشعب بمشاكل تافهة وثانوية"، لافتا إلى أنه "مع أن الإعلام رسالة لكن للأسف تحولت لرسالة سلبية في ظل النظام الانقلابي".

وفيما يتعلق بإهدار المال العام، أكد أن "موضوع إهدار المال العام هو سمة المرحلة كما هي فلسفة النظام بإقامة مشروعات فنكوشية بقصد رفع الروح المعنوية، ومجال الإعلام مجال واسع وباب خلفي للفساد، وإهدار المال العام، لكن ليس هناك رقيب ولا حسيب سوى العسكر".