رحَّب عدد من الحقوقيين والنشطاء بالحملة الشعبية لإلغاء التدابير الاحترازية ضد المفرج عنهم، والتي تبنَّتها حركة "باطل سجن مصر"، مشددين على ضرورة التوعية بخطورة هذه التدابير باعتبارها انتهاكًا لحقوق الإنسان.

وقال الحقوقيون والنشطاء: إن هناك مشكلات كبيرة تواجه من تفرض عليهم هذه التدابير؛ من تقييد للحريات، أو تضييق عليهم أثناء التدابير نفسها، أو إلقاء القبض عليهم مرةً أخرى، أثناء وجودهم بأقسام الشرطة، وهو ما حدث بالفعل مع أكثر من حالة، وطالبوا بوقف "الاستخدام السيئ لهذا التشريع االقانوني والتعسف فيه، كأداة لمعاقبة السياسيين من جانب النيابة العامة للانقلاب؛ باعتبارها ممثلة لسلطة العسكر الغاشمة.

وشددوا على ضرورة ألا تتجاوز مدة هذه التدابير مدة الحبس الاحتياطي للقضية المنظورة، كلٌّ حسب مدته، مطالبين بضغط شعبي لإلغاء هذا القانون.

كانت حركة "باطل سجن مصر" قد نظمت مؤخرًا حملة توقيعات للمطالبة بإلغاء التدابير الاحترازية، مشيرةً عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى "توقيع 250 ألف مصري للمطالبة بإلغاء هذه التدابير؛ من مبيت بالحجز، أو متابعة بما يدعى "الأمن الوطني"، أو منع من السفر وخلافه، ولا تزال التوقيعات مستمرة".

يشار إلى أن التدابير الاحترازية من الناحية القانونية هي إجراءات أمنية؛ تهدف إلى مواجهة الخطورة الإجرامية المحتملة لبعض المشتبه بهم، بعد فترة السجن التي قضوها، لكنها أصبحت أداة في يد سلطة الانقلاب لممارسة الضغط على المعارضين السياسيين، وإبقائهم تحت سمع أمن الانقلاب وبصره.

وتنقسم التدابير الاحترازية إلى أنواع:

الأول: إخلاء سبيل المتهم، مع إجباره على عدم مغادرة منزله

الثاني: إلزام المتهم بقضاء وقت محدد في قسم الشرطة، يتراوح بين مرة واحدة أسبوعيًّا لمدة ثلاث ساعات و12 ساعة يوميًّا.

الثالث: يتضمن حظر الذهاب لأماكن معينة، أو حظر مغادرة المدينة إلا بإذن قضائي مسبق.

وتنظر المحكمة في أمر تجديد أو تخفيف أو تشديد التدابير الاحترازية مرة كل 45 يومًا، وفي حالة مخالفة المتهم أيًّا من هذه التدابير، يصدر القاضي قرارًا بإعادة حبسه احتياطيا مجددًا.

معاناة مستمرة

يروي محمد أبوالخير معاناته مع التدابير الاحترازية، قائلاً: إنه قضى في الحبس الاحتياطي عامين كاملين دون محاكمة على ذمة هزلية وهمية، وعندما أصدر القاضي قرارًا بإخلاء سبيله، أرفق هذا القرار بتدابير احترازية قاسية.

وأوضح أبوالخير أنه أصبح مجبرًا منذ إخلاء سبيله على قضاء ثلاث ساعات مرتين لأسبوعين في قسم الشرطة التابع له، كما أنه ممنوع من مغادرة المحافظة التي يقيم فيها دون موافقة مسبقة من المحكمة.

وأضاف أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن أمن الخائن السيسي يجبره على زيارة مقر الجهاز مرةً أسبوعيًّا، وقضاء عدد غير محدد من الساعات، قد يكون ساعة واحدة، وقد يمتد لثماني ساعات، قبل السماح له بالانصراف.

وأكد أنه بسبب هذه الأيام الثلاثة لم يتمكن من العودة إلى عمله أو مزاولة أي نشاط اجتماعي بشكل عادي، مشيرًا إلى أنه عجز عن السفر إلى إحدى محافظات الصعيد للمشاركة في جنازة عمه بسبب تلك الإجراءات.

حبس احتياطي

يقول الناشط الحقوقي محمود شعيب: إن التدابير الاحترازية أصبحت امتدادًا للحبس الاحتياطي الجائر من الأساس، موضحًا أنها وسيلة للتنكيل بالمعارضين، وتقييد حريتهم، ومنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

وأوضح شعيب أن التدابير "لا تجوز وفقًا للقانون المصري، إلا في حق المخلى سبيلهم على ذمة قضايا تم الحكم عليهم فيها. أما المعتقلون السياسيون أو المحبوسون احتياطيا فمن غير الجائز فرض تدبير احترازي عليهم، لكن النظام الانقلابي يواصل انتهاك القانون والدستور دون رادع".

وأشار إلى أن هذا التوجه من سلطة الانقلاب يهدف إلى إبقاء رافضي الانقلاب تحت مراقبة ميليشيات المجرم السيسي باستمرار، بالإضافة إلى ممارسة الترهيب النفسي والمادي لهم، لافتًا إلى أن بعض المتهمين يخضعون لهذه التدابير منذ ثلاث سنوات، دون أن ترفع عنهم، ولا يمكنهم العمل أو السفر أو الدراسة.

إجراءات تعسفية

من جانبه، قال الحقوقي علاء عبد المنصف، مدير مركز السلام الدولي لحماية حقوق الإنسان: "فيما يتعلق بالتدابير فهي أداة من أدوات التحقيق والعبرة ليست في كونها خطأ أم لا، ولكن المشكلة في استخدام النيابة العامة لهذا الحق بشكل خاطئ وتعسفي، خاصةً كونها ممثلة لسلطة الانقلاب؛ حيث يتم استخدامها بشكل عبثي وانتقائي ضد المعارضين السياسيين".

ويضيف عبد المنصف: بخصوص مسألة إلغاء أمر تشريعي، "فهو أمر صعب مهما كان حجم التوقيع عليه وغير مطروح؛ لأنه لا بد من أمر تشريعي في المقابل".

وتابع: "يمكن لحملة التوقيعات المساهمة في الضغط لاستصدار هذا الأمر التشريعي، وقبل ذلك يمكن التركيز على الاستخدام الخاطئ لهذا الحق القانوني من قبل النيابة العامة ضد المعارضين بشكل تعسفي وكنوع من العقاب، خاصةً أنه من المفروض الإفراج عنهم، وبالتالي تخفيف القيود وليس استمرارها".

ويلفت مدير مركز السلام إلى أنه "يمكن لهذه الحملات أن تسهم في توعية الرأي العام بأن هناك إجراءات تعسفية وقانونية خاطئة، واستخدامًا سيئًا لهذا الأمر؛ بحيث لا يكون تعسفيًّا فقط ولكن تعميمه بحيث يطال كل من أفرج عنه ويشكل أداة ضغط عليهم".

ويطالب بوضع سقف زمني لهذه التدابير طبقًا للقانون؛ بحيث لا تزيد عن مدة الحبس الاحتياطي للقضية المنظورة أيًّا كانت مدتها، وعليه تكون هذه التدابير، سواء حبسًا احتياطيًا أو منعًا من سفر أو إقامة جبرية أو مبيتًا بالحجز، يجب ألا تتخطى مدة الحبس المقررة، فلو كان الحبس الاحتياطي سنتين في القضية المطروحة، يجب ألا تزيد مدة التدابير عن سنتين أيضًا".

انتهاكات حقوقية

ووجه الناشط السياسي حسام المتيم تحية تقدير وتشجيع ودعم لفكرة الحملة والقائمين عليها، موضحًا أن "المطالب التي تقوم عليها هي من صميم الحقوق الأساسية والحريات التي يجب أن يحصل عليها كافة المصريين".

وقال: "لا يمكن قبول استمرار تلك الانتهاكات الحقوقية من قبل أجهزة أمن السيسي والتي تستخدمها كنوع من العقاب المستمر لكل المفرج عنهم؛ حيث تظل حريتهم منقوصة وكأنها لم تكن موجودة من الأساس، فضلاً عن التأثير السلبي للمبيت في الحجز أو استمرار المتابعة من أمن السيسي على الحالة النفسية للمفرج عنه وعلى أسرته وعمله ونشاطه العام".

وأكد المتيم أن استمرار هذه الحملات وبدعم شعبي "أمر حيوي ومهم"؛ للضغط على نظام العسكر، لوقف وإلغاء التدابير الاحترازية تماما، مشددًا على ضرورة أن ينال كل المفرج عنهم الحرية الكاملة.