هل لجماعة الإخوان المسلمين إسلامٌ مخصوصٌ؟ سؤال يطرحه الكثيرون؛ الذين يجهلون حقيقتهم وسمعوا عنهم ولم يسمعوا منهم، أو الذين يتأثرون بدعايات الخصوم ويضعون الإخوان فى خانة ليست خانتهم، أو حتى المعجبون بهم ممن يرونهم متميزين بارزين، أو الذين يلاحقونهم ويحاكمونهم ويجدون فيهم همة وعزيمة ليست فى غيرهم، وحماسًا وإصرارًا عجيبًا على مواصلة الجهاد رغم المشاق التى يضعونها فى سبيلهم. 

الحقيقة: ليس للإخوان إسلامٌ مخصوصٌ؛ فإسلامهم هو ما نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- من ربه منذ أربعة عشر قرنًا، لا يشذون عنه شيئًا، وربما هذا سبب استهجان الناس لطريقتهم بعدما انحلّت كثيرٌ من عُرى الإسلام من نفوس المسلمين،  وهم لا يزالون مستمسكين بها؛ ذلك الإسلام القائم على الإيمان بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً، كافرًا بالجبت والطاغوت، محلًّا ما أحل الله، محرِّمًا ما حرَّم، ذلك الدين الذى لا يعرف أتباعه الخضوع، ولا الخنوع، ولا المساومة، ولا التفريط، ولا يقبلون أنصاف الحلول. 

إسلام الإخوان المسلمين ليس إسلامًا «رسميًّا» ولا «أمريكيًّا» ولا «صوفيَّا منحرفًا»، وليس «إسلام تفصيل» بمقاسات سياسية أو اجتماعية أو طائفية أو قبلية، بل هو الإسلام الحركى النشيط لا المتواكل الكسيح، الذى يأخذ صاحبه بالأسباب ولا يرضى أن تكون يده هى السفلى، ولا يقبل بأن يكون أقل من غيره فى إعداد العدة، وتجهيز القوة، ووفروة الغنى.

إسلامهم هو إسلام من يحبون الجماعة، ويكرهون الفرقة، ويحبذون الوحدة، وينبذون التشرذم، إسلام العدل والمساواة، والحرية، والعقل، والشورى؛ إسلام ينهى عن الكبر والبطر، والأثرة؛ إسلام الأخوة الصادقة، والمحبة الخالصة القائمة على غير أرحام أو مصلحة؛

إسلام الرحماء بينهم، الهداة المهتدين، الذكّارين، الشكّارين، الأوابين، من لا يغدرون، ولا يخونون، ولا يفجرون فى خصومة، بل يدفعون بالتى هى أحسن، أشد الناس غيرة على دينهم وأوطانهم وأعراضهم.

وأدبيات الجماعة -وهى كثيرة- لا تخلو من وصف ذلك الإسلام الذين يدين به أعضاؤها، كما لا تخلو من التعريف بهم، وبمبادئهم وغاياتهم وماذا يريدون، وإلى أى هدف يتطلعون، وما واجباتهم، وما خصائص دعوتهم.. 

فهم -كما يعرِّفون أنفسهم-: أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحملة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة الله للعالمين. وهم ليسوا حزبًا سياسيًّا -وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتهم- وليسوا جمعية خيرية إصلاحية -وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدهم-؛ بل هم فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج لا يحده موضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافى. هم روحٌ جديد يسرى فى قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونورٌ جديدٌ يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوتٌ داوٍ مرددًا دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ومما جاء فى «رسالة المؤتمر السادس» للإمام المؤسس ويلخص هذه الدعوة قوله: (لقد فهم الإخوان المسلمون، الإسلام فهمًا نقيًّا صافيًا، سهلًا شاملًا كافيًا وافيًا، يساير العصور ويفى بحاجات الأمم ويجلب السعادة للناس، بعيدًا عن جمود الجامدين وتحلل الإباحيين وتعقيد المتفلسفين، لا غلو فيه ولا تفريط، مستمدًّا من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وسيرة السلف الصالحين استمدادًا منطقيًّا، بقلب المؤمن الصادق، وعقل الرياضى الدقيق، وقد عرفوه على وجهه: عقيدة وعبادة، ووطن وجنس، وخلق ومادة، وسماحة وقوة، وثقافة وقانون، كما اعتقدوه على حقيقته: دين ودولة، وحكومة وأمة، ومصحف وسيف، وخلافة من الله للمسلمين فى أمم الأرض أجمعين (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143]. 

والإخوان لا يُقادون برغبة ولا برهبة، ولا يخشون أحدًا إلا الله، ولا يغريهم جاه ولا منصب، ولا يطمعون فى منفعة ولا مال، ولا تعلق نفوسهم بعرض من أعراض هذه الحياة الفانية، ولكنهم يبتغون رضوان الله ويرجون ثواب الآخرة، ويتمثلون فى كل خطواتهم قول الله تبارك وتعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [الذاريات:50]؛ فهم يفرِّون من كل الغايات والمطامع إلى غاية واحدة، ومقصد واحد هو رضوان الله؛ وهم لهذا لا يشتغلون فى منهاج غير منهاجهم ولا يصلحون لدعوة غير دعوتهم، ولا يصطبغون بلون غير الإسلام (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة: 138]؛ فمن حاول أن يخدعهم خُدع ومن أراد أن يستغلهم خسر، ومن طمع فى تسخيرهم لهواه أخفق، ومن أخلص معهم فى غايتهم ووافقهم على متن طريقهم سعد بهم وسعدوا به، ورأى فيهم الجنود النبلاء والإخوة الأوفياء، يفدونه بأرواحهم ويحوطونه بقلوبهم وجهودهم، ويرون له بعد ذلك الفضل عليهم. 

وليست دعوة الإخوان بدعًا فى الدعوات، فهى صدى من الدعوة الأولى يدوى فى قلوب هؤلاء المؤمنين ويتردد على ألسنتهم، ويحاولون أن يقذفوا به إيمانًا فى قلوب الأمة المسلمة؛ ليظهر عملًا فى تصرفاتها ولتجتمع قلوبها عليه). 
وقد يعترض معترض قائلًا: لكن الواقع يجافى هذا الكلام (النظرى)؛ فإن فى الإخوان نماذج سيئة لا يتفق سلوكها مع ما ذكرت. وأقول: هذا صحيح، ولا خلاف عليه؛ فما من جماعة إصلاحية إلا وبها نفعيون، ومنافقون، ومخالفون للقواعد والأركان، لكنهم يظلون قلة، وتلك سنة الله فى البشر، لم يسلم منها صحابة النبى –صلى الله عليه وسلم-؛ إذ كان الوحى ينزل وهناك من يقارف الكبائر ويعمل السوء. ولقد حسم الإمام المؤسس هذا الأمر بقوله (كم فينا وليسوا منا، وكم منا وليسوا فينا)؛ إشارة إلى أن تلك الدعوة فكرة قبل أن تكون تنظيمًا، وأنها تضم من خارج هذا التنظيم كل من يتبع منهاجها، وهم الأكثر عددًا، وأن فى داخل هذا التنظيم من لا يستحقون شرف الانتماء إليها. بل أكد بعد حادثة وقعت فى أربعينيات القرن الماضى أن بها من لا يستحقون شرف الانتماء إلى الإسلام من الأساس وهم الذين تبرأ منهم وقال فيهم (ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين)؛ ممن قتلوا غيلة واستحلوا دماء بغير حق.  

لكننا –بفضل الله- مطمئنون إلى أن الغالبية على الحق، وتمتاز بالصدق، وتقدِّر تبعات الانتماء، وتعى المخاطر والأزمات المحيطة بأمتنا المهيضة، وإنَّ شابَّا مخلصًا من الجماعة يفهم ويعمل كأحسن داعية، ويتحرك وينشط كأحسن سياسى، وإن كان جُلُّهم يعملون فى صمت، وهذا سمت المتجردين من سلف الأمة..

حفظهم الله، رعاهم الله.