نرصد الأسباب وسبل المعالجة

اليوم تحول انتحار الشباب من ظاهرة مخيفة إلى واقع مؤسف تعيش في معاناته مصر، وخاصة مع تردي الحالة الاقتصادية للبلاد تحت الحكم العسكري؛ حيث أقدم نحو 10 أشخاص على الانتحار خلال أقل من أسبوع، لأسباب إما مجهولة وغير مفهومة أو نفسية أو ضائقة مالية أو خلافات أسرية وعاطفية أو غضب من وضع ما، كان أشهرهم الشاب الذي فاجأ الجميع بالقفز من أعلى برج القاهرة، ووفاة طالبة بتناول الحبات القاتلة، فيما ألقى آخر بنفسه أسفل عجلات مترو الأنفاق وثالث حرق نفسه بالبنزين, ليفارقوا جميعَا الحياة.

فقبل أيام ضجت مصر بواقعة انتحار طالب الهندسة من أعلى برج القاهرة، والذي ألقى بنفسه ليسقط جثة هامدة، وأحدث فيديو للحظة انتحار الطالب موجة حزن واسعة في الشارع المصري، خاصة أنه في مقتبل العمر وتخلص من حياته بطريقة صعبة لمروره بأزمة نفسية ربطها البعض بتعرض شقيقه للاعتقال التعسفي.

بعدها بيوم انتحر شاب بإلقاء نفسه في إحدى الترع بصعيد مصر بسبب خلافات عائلية، وانتشلت قوات الأمن جثته وسط حالة ذهول من الجميع.

وفي نفس اليوم انتحر أحد الشباب بإلقاء نفسه تحت عجلات مترو الأنفاق؛ حيث شهدت محطة أرض المعارض بالخط الثالث للمترو حالة انتحار لشاب في عقده الثاني تحت عجلات المترو، ليسقط جثة متقطعة.

ولم تكن الخلافات الزوجية بعيدةً عن مشهد الانتحار؛ حيث تخلص زوج من حياته وانتحر بعد فشله في صلح زوجته، ليكتب نهايته بيده.

وأمس، شهدت مصر محاولة انتحار لشاب في العقد الثالث من عمره، حينما قفز في النيل من أعلى كوبري "15 مايو" بدائرة قسم شرطة قصر النيل، ولكن قوات شرطة المسطحات المائية تمكنت من انتشاله من الماء وإنقاذه.

كما لقيت طالبة مصرية في الصف الثاني الثانوي، بإحدى قرى مركز تلا بمحافظة المنوفية، مصرعها، إثر تناولها قرص حفظ الغلة السامة؛ حيث جرى نقل الطالبة للمستشفى دون جدوى، لتلفظ أنفاسها الأخيرة داخل المستشفى بعد انتحارها بالحابة السامة.

كما نجا شخص أقدم على الانتحار يبلغ من العمر 49 عامًا من الموت، وأصيب بحالة إعياء شديدة، إثر تناوله حبة حفظ الغلال المعروفة بالحبة القاتلة، بإحدى قرى مركز قلين بمحافظة كفر الشيخ وجرى نقله إلى المستشفى وتمكن الأطباء من إنقاذه.

[Photo]

الانتحار بث مباشر

وعلى طريقة مختلفة عن سابقيه قرر شاب يدعى "إسلام"، سائق "توك توك"، يقيم بشارع النيل المجاور لمنطقة المرور بمدينة السلام، التخلص من حياته، شنقا في بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

وكان إسلام قد صنع مشنقة داخل غرفته بشقته في منطقة السلام، وكشفت مناظرة النيابة لجثة المنتحر، وجود آثار لقطع فى شريانه، وأنه حاول من قبل الانتحار أكثر من مرة ولكنه فشل.

اليأس والتهميش

انتحار هؤلاء الشباب لم يكن البداية، فقد سبقهم حالات أخرى كثيرة؛ الأمر الذي جعل المخاوف والتساؤلات تعصف بالرءوس، فما الذي يدفع برموز المستقبل، لاتخاذ قرار بالهروب من الحياة والانتحار؟ وهل هناك من سبيل لمواجهة تلك الظاهرة؟ أم أنها ستستفحل، لتحصد لحظات اليأس أرواح الشباب واحدًا تلو الآخر؟

وعن انتحار الشباب تحديدًا، أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل هي التي تتحمَّل معظم العبء الناجم عن عمليات الانتحار على الصعيد العالمي؛ إذ يقع بها نحو 75% من حالات الانتحار بالعالم.

وأفادت تقارير المنظمة بأن انتحار الشباب في تلك البلدان عادةً ما يكون بسبب اليأس والتهميش، وتردِّي الأحوال الاقتصادية، وغياب العدالة الاجتماعية، والتمييز في المجتمع.

وصنّف تقرير لمنظمة الصحة العالمية مصر كأكبر دولة عربية، شهدت حالات انتحار عام 2016 متقدمة على دول بها صراعات وحروب مسلحة، وقدرت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات عدد المنتحرين في النصف الأول من عام 2018 بـ150 شابًّا أغلبهم بين 20 و35 عامًا.

[Photo]

أسباب الانتحار

علماء الاجتماع والطب النفسي يقولون: "إن فكرة حلم الموت والخلاص من الحياة تسيطر على الشاب عندما يترسَّخ بداخله أنه لا يستطيع مواصلة الحياة، في ظل المعوقات التي تصاحبه".

وبحسب علماء النفس، تنتاب هؤلاء الشباب حالات الاكتئاب النفسي، الذي يفقد فيه الشاب أي رابطة بالحياة، فلا يرى فيها أي بهجة، وأنه لا حل لمعاناته وعذاباته سوى إنهاء حياته طوعا بيده".

ومن جهته، أوضح محمد الشامي، استشاري الطب النفسي، أن الانتحار نوعان: الانتحار المخطط له، وهو الذي يُخطط فيه الشخص للانتحار، ويكون ناتجًا عن تعرضه للاكتئاب؛ إذ يفكّر أن الانتحار هو الحل الأمثل لإنهاء معاناته التي لا يشعر بها أحد.

أما الثاني، فيسمى بالاندفاعي، الذي لم يفكر فيه الشخص، ولم يُخطط له مسبقًا.

وبحسب الشامي، فإن الطبيعة الاندفاعية التي يتَّسم بها الشباب في هذه المرحلة العمرية، تجعلهم أكثر عرضةً للإقدام على فعل الانتحار.

وأشار إلى أن أبرز الأسباب التي تدفع الشباب للانتحار هي عدم الاتزان النفسي، والاكتئاب، نتيجة أسباب تتلخص في:

ضغوط المجتمع التي تُلقَى على عاتق بعض الشباب، سواء كان في مرحلة الدراسة أو بداية طريق العمل.
    
الضغوط التي يسببها الأهل على الشباب، سواء في الدراسة، أو العمل، أو الزواج، وقد يكون الشاب غير مؤهل لتحمل ذلك؛ ما قد يدفعه لاكتئاب يقوده للانتحار.

بعض الأمراض النفسية، ومنها الوراثية التي يهمل علاجها، مثل: الفصام، من أكثر المشكلات النفسية المعقدة، التي تحتاج لوقت وجهد كبير في العلاج، وقد تدفع صاحبها للانتحار.

الإدمان، الذي يُعرف بالانتحار دون عمد.

ولفت الخبير النفسي إلى علامات قد تظهر على الشاب الذي يفكر بالانتحار، تتطلب ملاحظة وتدخّل الأهل، منها:

الحزن الشديد المستمر لفترة طويلة تمتد لأشهر.

العزلة الاجتماعية.

اضطرابات في الطعام، سواء بالإفراط أو فقدان ملحوظ في الشهية.

كثرة البكاء.

الحديث عن الموت والخلاص من الحياة.

البحث في وسائل الانتحار.

فيما يرى عمار حسن، خبير علم الاجتماع، أن الشعور باليأس من المستقبل و"الغبن السياسي" لدى الكثير قد يكون أحد أسباب انتحار الشباب، بحسب قوله.

ولفت - في تصريح صحفي - إلى أن الثورات العربية انطلقت بحرق بوعزيزي لنفسه، وتكرر الأمر في مصر مع حادثة الاعتداء على عماد الكبير، وخالد سعيد، لكن من الخطأ قِصَر كل تلك الحالات على الناحية السياسية.

من جانبه، رأى مؤسس جبهة الضمير المحامي الحقوقي عمرو عبد الهادي أن نظام الانقلاب يتحمل المسئولية الكبرى عن ارتفاع معدلات الانتحار في مصر.

وقال عبد الهادي - في تصريحات صحفية - إن السياسات الاقتصادية للدولة زادت من الأعباء اليومية للمواطنين وارتفاع معدلات الفقر والبطالة؛ ما أدى لانتشار الجريمة وتنامي ظاهرة الانتحار.

ونشرت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان تقريرًا كشفت فيه عن رصد 101 حالة انتحار بمصر خلال أشهر مارس وأبريل ومايو هذا العام، وأوضحت أن النسبة الأعلى كانت بمحافظة البحيرة، تليها القاهرة، ثم الدقهلية.

ورصد التقرير تقدم فئة الطلاب والعمال شرائح المقدمين على الانتحار، ثم شريحة ربات البيوت، وتراوحت الأعمار بين 21 و30 عامًا، وتقدم الذكور بـ67 حالة مقابل 34 للإناث، مرجعًا تزايد حالات الانتحار إلى تردي الوضع الاقتصادي المصري؛ ما يؤدي إلى أزمات نفسية تصيب البعض وتدفعهم إلى الانتحار.

نتيجة بحث الصور عن الانتحار

نصائح وإجراءات

ولمحاولة التصدي لانتشار ظاهرة الانتحار، حدد حسام عمارة، استشاري الأمراض النفسية والعصبية، أهم نقاط مهمة للتعامل مع مرضى الاكتئاب، منها:

تقديم الأصدقاء والعائلة والزملاء النصائح للمصاب بالاكتئاب، ومحاولة التخفيف عنه.

إقناع المريض بالذهاب إلى الطبيب؛ لأنه قد يحتاج في بعض الأحيان إلى العقاقير المهدئة.

حثّ المريض على ممارسة الرياضة، والانخراط في الأعمال الإيجابية.

الحصول على قدر كافٍ من النوم.