في عام 1947 ظهر وباء الكوليرا في مصر الذي قيل حينها إنه انتقل إلى مصر من خلال الجنود الإنجليز العائدين من الهند، وهو ما أدى حينها إلى أن انعزلت مصر عن العالم خوفا من انتقال المرض؛ فتم منع السفر من وإلى مصر، فضلاً عن توقف التصدير والاستيراد.

وفي هذه الأثناء أرسل الأستاذ حسن البنا رحمه الله إلى وزير الصحة المصري* آنذاك رسالة، جاء فيها**:

حضرةَ صاحب المعالي وزير الصحة العمومية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد..

في غمرة هذه المحنة التي تهدد الصحة العامة للبلاد بوباء الكوليرا، والتي تُنادي كلّ وطنيٍّ صادق أن يساهم بكلّ ما يَسعه من جهد وطاقة، تتقدّم إدارة الجوالة العامة للإخوان المسلمين إلى معاليكم، ليحملوا نصيبهم من هذا الكفاح الوطني المقدّس، معلنين أنهم يضعون تحت تصرف وزارة الصحة أربعين ألف جوال (40000) من خيرة شباب الأمة، وزهرة أبنائها الأطهار، منبثين في جميع أنحاء الوادي من كبريات المدن والحواضر إلى صغريات القرى والكُفُور والدساكر. كلهم على أتم الاستعداد للقيام بما عُهد إليهم من أعمال لمكافحة هذا الوباء.

ومما يزيد في الاطمئنان إلى جلال الفائدة المرجوة من هذا التجنيد- إن شاء الله- أن تعلموا- معاليكم- أن هؤلاء الألوف من شباب الإخوان الذين وهبوا لهذا الوطن العزيز أنفسهم وأرواحهم إنما يكونون مجموعات كاملة الأجزاء محكمة النظام بوحداتها ورؤسائها ومراقبيها ومشرفيها في انتظار الأمر بالعمل في أي مكان.

ولمّا كنّا حريصين على العمل الجدى؛ لذلك نتقدم إلى معاليكم بنماذج من الأعمال التي يمكن لهذه المجموعات القيام بها علاوة على ما يراه المسئولون من تكليفهم لما يتراءى لهم، وهي:

1- نشر الدعوة الصحية في محيط القطر كله وسرعة إذاعة النشرات والتعليمات الصادرة عن الوزارة مع التكفل بإفهامها للجمهور ومعاونته على التنفيذ.

2- التبليغ عن المصابين والإصابات كل في محيط منطقته مع بعض الجمهور، على اعتبار ذلك واجبا وطنيا لا يعذر المتخلف عنه.

3- تكوين فرق مختلفة للقيام بأعمال التمريض.

4- مساعدة رجال الجيش في كافة أعمالهم؛ من حصار المناطق الموبوءة، ونقل الإشارات اللاسلكية، وقيادة السيارات.

يا صاحب المعالي، قد جندنا هذا الشباب الطاهر في خدمة الوطن لمحاربة هذا العدو المفاجئ، ولاشك أن هؤلاء الجنود لا ينقصهم إلا أن يتحصنوا ضد المرض بالمصل الواقي، وأن تتفق وزارة الصحة مع الوزارات والشركات والمصانع التي يعمل بها هؤلاء الإخوان على انتدابهم لهذه المهمة إذا كلفوا بأعمال نهارية تتعارض مع أوقات أعمالهم الرسمية، مع الاحتفاظ لهم بمراكزهم وأعمالهم عند زوال خطر الوباء عن البلاد قريبا إن شاء الله.

هذا ويسرنا إلى جانب ذلك أن نضع تحت تصرف وزارة الصحة ألفا وخمسمائة شعبة (1500) من دُور الإخوان المسلمين تكون مركزا للأغراض الوقائية والعلاجية ضد هذا الوباء، ولاسيما في المناطق التي ليس للصحة بها مراكز ثابتة.

وفي انتظار إجابة فضيلتكم بالقبول أرجو أن تتقبلوا أصدق التحيات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

-----
* المصدر: مجلة الإخوان المسلمون اليومية، العدد (433)، السنة الثانية، ذو القعدة 1366ه / 30 سبتمبر1947م.

** اليوم يعمل الإسلاميون من داخل مؤسسات دولهم، في حين يقبع الآلاف منهم داخل السجون والزنازين لا سيما في دولة المنشأ مصر.. فرج الله عن كل سجين سجن ظلما وعدوانا.