تحتفل الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الفطر المبارك، "يوم الجائزة"، بعد أن استظلت أيامًا بفرحة شهر رمضان الوارفة، ونهلت من معينه العذب، فجاء العيد ثمرةً مهداةً من الله تعالى لعباده "الصائمين القائمين"، الذين عاشوا رمضان بكل معانيه ومقاصده وغاياته، فأحدثوا انقلابًا في نفوسهم وسلوكهم، وتسلَّحوا في رمضان بكل أنواع الأسلحة الإيمانية التي تمكِّنهم من الصمود والمواجهة في معترك الحياة بعد رمضان؛ فحقٌّ لهم أن يستقبلوا العيد قلوبهم مطمئنة، ونفوسهم فرحة، ووجوههم مستبشرة؛ فهنيئًا لمن نجح في الامتحان وفاز بالجائزة.

نعيش العيد حين نعيش قطعة من الزمن خُصِّصت لنسيان الهموم والأحزان واستجمام القوى المنهكة في الحياة.. نعيش العيد حين نختزل العيد في "يوم لبس الجديد وصنع الحلوى وملء البطون، أو حين نحصره في يوم للأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، أو يوم للفقراء يلقاهم باليسر والسعة، أو يوم للأرحام يجمعها على البر والصلة، أو يوم للإخوان تُجدَّد فيهم أواصر الحب ودواعي الأخوة والقرب، أو يوم للنفوس الكريمة، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر وخصام، وانبساط بعد انقباض.. "نعيش العيد حين نعيش المعانيَ السابقة.. نعيش العيد حين نعيش عادات العيد التي توارثنها أجيالاً بعد أجيال.

ويعيش العيد فينا عندما نضيف إلى تلك العادات استعدادًا ننال به شُكورًا، وتزداد به صحيفتنا نورًا؛ استعدادًا هو عند الله أجدر وأكرم، حين نتذكر في صبيحة العيد، ونحن نقبل على والدينا، ونأنس بأزواج لدينا، ونحتفي بإخواننا وأولادنا وأحبابنا وأقربائنا ملء أعيننا وبين أيدينا، فيجتمع الشمل على لذيذ كل طعام، وعذب كل شراب، فنتذكر إخوة لنا حبسهم الطغيان، وباعد بينهم وبين أهليهم جبروت السلطان خلف القضبان.

يعيش العيد فينا حين نتذكر زوجات إخوة لنا حرمهن القهر أُنس الزوج، وأمهاتٍ وآباءً لنا حرمهم الظلم دفء أولادهم، حين نتذكر أولادًا وبناتٍ حجبت بينهم وبين حنين الأبوة قضبان لو ملكت إرادة لأصدرت حكمًا بالحرية الأبدية لكل صاحب رأي قاله أو بذل جهده لتكون كلمة الله هي العليا.

ويعيش العيد فينا حين نتذكر في العيد ونحن نأوي إلى ظلنا الظليل، وفراشنا الوثير، إخوانًا لنا يفترشون الغبراء، ويلتحفون السماء، ويتضورون في العراء؛ جُل ذنبهم أنهم منتمون لأقطار إسلامية، يتحسسون من يأسو جراحهم، ويسعى إلى سد حاجاتهم، ويشد من صلبهم حين يضعهم في بؤرة الاهتمام وينصرهم بسلاح الدعاء.

ويعيش العيد فينا حين نتذكر في العيد يتامى لا يجدون في تلك الصبيحة حنان الأب، وحين نتذكر أيامى قد فقدن ابتسامة الزوج، فإن لم يسعفنا المال فلا أقل من أن يسعفنا المقال بالكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، والخفقة الطاهرة والنية الصالحة.

ولا يراد من ذلك ذرف الدموع، ولبس ثياب الحداد في العيد، بل المقصود من ذلك أن نعيش معنى القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة: من الآية 71)، ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 272)، و﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ (فصلت: من الآية 46).

وأن نحقق سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، و"من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم"، و"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

بارك الله للمسلمين عيدهم، ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم.

هذه بعض معاني العيد كما نفهمها من الإسلام، فأين نحن اليوم من هذه الأعياد؟! وأين هذه الأعياد منا؟! وما نصيبنا من هذه المعاني؟ وأين آثار العبادة من آثار العادة في أعيادنا؟.

أيها العيد سلامًا                تمنح الكل ابتسامًا