عالج الإمام حسن البنا مظاهرَ الانحرافِ الاجتماعي الخطير الذي ابتُليت به مصر في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، مثل: انتشار البغاء، وتعاطي الخمور، وانتشار التبرج والسفور.. وقد قدم رؤيتَهُ الإصلاحية في كافة المظاهر والشئون الاجتماعية، قدمها في التربية والتعليم... في الآداب والسلوكيات... في المرأة والأسرة... إلخ.

فعلى المستوى التعليمي والتربوي، انحرفت المناهج التعليمية عن روح الإسلام ومبادئه، وخلت موادها تمامًا من التركيز على التربية الإسلامية ودورها في إرشاد وتوجيه النشء؛ فسادت الجهالة الدينية في المدارس والمعاهد والجامعات، بعد ما وضع "دانلوب" أُسُسَ ومناهج التعليم في مصر، وسار القوم على دربه.
أهم هذه الوسائل عندنا: المساجد، والصحف، والأندية، والجمعيات الإرشادية الإسلامية الناشئة، ودور الكتب العامة، والتأليف، والنشر، ويسرنا أن النهضة الحديثة شملت هذه الوسائل كلها، وإن كان شمولاً قاصرًا، إلا أنا نرجو له بالمثابرة والزمن الكمال والوصول إلى الغاية المرجوَّة.

وكانت المساجد إلى عهد قريب مهملةً بأيدي بعض الأئمة يدرس كل منهم ما يشاء، فاهتمت وزارة الأوقاف بطبع كتابها في الفقه وتوزيعه عليهم توحيدًا لمادة التدريس وإعانة للمدرس، وإن كانت كل الشروط اللازمة لم تتوفر في هذا الكتاب إلا أنه خير من السكوت المطلق، واهتمت وزارة الداخلية بتعيين الوعَّاظ الرسميين الذين يشملون المراكز والبلاد بوعظهم وإرشادهم، ولا شك أن أثرهم وتهذيب الأمة العام سيكون واضحًا قريبًا، ولعل وزارة الداخلية تعجَّل للوجه القبلي بنصيبه من هؤلاء الوعاظ الفضلاء، ولعلهم يقدرون مهمتهم حقَّ قدرها، فيخلصون لله حق الإخلاص في إفادة الأمة وتطهير روحها، ويكونون في ذلك خير قدوة لها.

وأما الصحف فقد كثرت وانتشرت انتشارًا عظيمًا، وأصبح يتناولها كل طبقات الشعب تقريبًا، ولقد يكون من المعجب السار أن ترى جماعة من الحمالين أو الحوذية قد تحلَّقوا حول قارئ بيده صحيفة في مقهى ينصتون إلى عباراتها، ويحتدم بينهم الجدال في تفسير نصوصها؛ مما يدلك على نضوج الرأي العام وتكونه في مصر، وإن كان مجال النضوج لا يزال بعد فسيحًا، وهناك نوع من الصحف إثمه أكبر من نفعه، وهو الصحف الماجنة الخليعة وهي كثيرة، وحبَّذا لو راقبتها إدارة المطبوعات مراقبةً جديةً، وخلصت الفتيان والفتيات من شر سمومها وخطر نفثاتها، ونناشد حضرات الصحفيين الأجلاء أن يكونوا نصراءَ للفضيلة، عونًا للإصلاح الحقيقي، أمناء على أخلاق الأمة ومصالحها، كما تقتضيه مهمتهم الشريفة، وألا يجاروا أعداء الدين والفضيلة في استهتارهم وإباحتهم.

وأما الأندية فهي كالصحف يتوقف تأثيرها في الحركة التهذيبية على نوع الدعاية التي تقوم بها، وإنا ندعو الأمة إلى أن تغشى الأندية المعروفة بحَثِّها على الفضيلة واحترامها للأخلاق، وإنا لعظيمو الاستبشار بهذه الجمعيات الإسلامية المباركة أمثال: جمعية الشبان المسلمين، والهداية الإسلامية، ومكارم الأخلاق، التي تعمل للفضيلة والدين، وتبيِّن للأمة وجوهَ النفع والضرر، وترشدها إلى ما به حياتها وسعادتها، وتحث الأمة على تشجيعها والإقبال عليها، فذلك نوع من أنواع الجهاد الإسلامي، وفائدة علمية تهذيبية عظيمة، وإذا علمنا أن جمعية الشبان المسلمين ألقَت بناديها في العام الماضي زهاء ستين محاضرة في موضوعات طلية (6) قيمة، عدا محادثاتها ومناظراتها ومسامراتها العلمية الأدبية، علمنا مبلغ الفائدة التي تعود على من يغشى ناديها ويواظب على استماع دروسها.

ولقد كان هذا النوع من التهذيب الإسلامي العام يكاد يكون معدومًا في بلادنا، فجاءت هذه الجمعيات فسدَّت فراغه وأروت ظمأ الناس ما قيَّض الله لها سبيل الرقي والنجاح، وقد كان من آثار هذه الجمعيات تلك الصحف الغنية بموضوعاتها العلمية والفنية والأدبية التي يجد فيها كل من قرأها العلم واللذة والإقناع.

وأما دور الكتب فقد انتشرت منذ عهد قريب بمساعي مجالس المديريات والمجالس البلدية، وأثرها في نشر العلم والتهذيب معروف، وفَّق الله القائمين بأمرها إلى تغذيتها بالكتب النافعة الجيدة.

وقد كان من مظاهر نهضتنا تلك المؤلفات الحديثة والقديمة التي تخرجها المطابع يومًا فيومًا، وتلك الشركات التي تؤلِّف لإحياء الكتب القيمة ونشر الكتب الكبيرة، ويخيَّل إلينا أن الكتب التي طبعت حديثًا في الموضوعات الدينية وحدها تزيد على خمسين كتابًا من الكتب الكبيرة النادرة التي ما كان يظن أحد أنها تروج في هذه الأيام، ومع هذا فقد راجت وانتشرت بشكل سار مما يدل على تعطش الناس إلى العلم وحبهم للاطلاع.

ذلك مجمل القول في حياتنا العلمية والتهذيبية، نختمه بالرجاء الكبير إلى حكومتنا وشعبنا أن يحلا مواطن النقص فيها محل النظر الدقيق والرعاية الجدية، وأن يعالجا نقصنا الخلقي وفسادنا الأدبي علاجًا حاسمًا حتى تبلغ أمتنا بذلك غاية الكمال الممكن، والله ولي التوفيق.