من سلوك الإخوان المسلمين أنهم لا يتزينون للناس بشيء وينطوون على غيره ظاهرهم كباطنهم لأنهم يعلمون علم اليقين أن الله وحده هو الذي يعلم الظاهر والباطن، فكيف يخادعون من هو على كل شي مطلع ورقيب فهم يعاملونه وحده سبحانه وتعالى ولا يعاملون الناس، إلا في رقابة من الله تعالى وافية شاملة قد يضيق بعض الناس بصبر الإخوان في مواطن الحق ولكن ماذا عليهم إذا أرضوا في هذا السلوك ربهم تعالى. ولو غضب الناس جميعا أنهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا السلوك يهتفون من أعماق قلوبهم «إن لم يكن بك غضب علينا فلن نبالي»...

وصراحتهم في الحق ليست مخاشنة وجفاء ولكنهم يقولون الحق في جرأة ورجولة ووضوح وأدب وكمال خلق. إنهم قد يخطئون كما يخطئ غيرهم وأنهم غير مبرئين من كل عيب فالعصمة للأنبياء والرسل وحدهم، والكمال لله تعالى العلي الأعلى وحده وما دامت معصية البعض منهم طارئة فالرجاء في الأوبة والتوبة واسع فسيح فإن أبان آم قد عصى مشتهيا فتاب وقبلت توبته وغفر الله تعالى له.

إنهم لم يستكبروا في أنفسهم ولم يتكبروا على أحد لعلمهم بأن المعصية في كبر خطيئة خطيرة النتائج وقد تستوجب اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرا فلعنه الله تعالى. ولهذا تراهم في رضاهم عن ربهم تعالى أنهم لايتمنون عليه سوء التوفيق والستر في دنياهم هذه وكان فضل الله تعالى عليهم في هذا كبيرا إذ أنهم لم يعصوا ربهم تعالى يوما في كبر وهم يعلمون أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مقدار ذرة من كبر.

تقوى الله
وما من شك أن أوفى مراتب السلوك الإسلامي وهو ملحوظ في الوسط الإخواني هو التجرد من النظر إلى البشر خيرا أو شرا وإخراج الناس من العقل والقلب والنظر المحصور في قدرة الله وحده والركون إلى جانب الله، ولا جانب سواه أنهم يوقنون أن إطلاع الله سبحانه وتعالى إذا علم تعالى أنهم لا ينظرون إلى شيء سواه.

وقد ثبت هذا واقعا في كل الأزمات القاسية التي مرت بالإخوان المسلمين وأسوق هنا واقعة حدثت هلم فقد قال أحد كبار وزارة الداخلية لأخ من الإخوان «أقسم أنك لن تخرج من السجن إلا إذا أيدت جمال عبد الناصر فقال له الأخ: وأنا بدوري أقسم باله أنني لا بد وأن أخرج من هذا السجن سواء رضي عبد الناصر أو أبى، فقال له الضابط: ومن أين أتاك هذا الاعتقاد الثابت؟ فقال له الأخ مبتسما: أن لهذا السجن بابان يخرج من أحدهما المسجونون الذين قضوا مدة سجنهم، وأخر يخرج من أحدهما المسجونون الذين قضوا مدة سجنهم وآخر يخرج منه المسجونون الذين ينتقلون إلى رحمة الله فأنا لابد وأن أخرج من أحد البابين ولا محالة وهكذا أخرج الإخوان كل ما عدا الله تعالى من قلوبهم، ولم ينظروا من كل نفوسهم إلا لمن بيده ملكوت كل شيء ومرد كل أمر إليه وحده ولا شيء غيره: تعلمت هذا منهم فسعدت بانتسابي إليهم وصحبتي إياهم.

في سلوكهم وعدم مصاحبة الفاسقين لأن الفاسقين يضحى بصاحبه لأتفه بارقة ولا يصحبون الكاذبين لأن معاشرة الكاذب لا تكون أكثر من سراب ولا يصادقون الحمقى لأنهم يضرون من حيث يظنون أنهم ينفعون، وعدو عاقل خير من صديق أحمق أنهم أكثر الناس وفاء بعهد وأوصلهم لرم وأخلصهم لصديق وأعونهم لمحتاج.

نادرا ما يغضبون لأنهم عرفوا شره الغضب فجانبوه، ومن جميل ما قرأت في هذا المعنى (غضب عمر بن عبد العزيز يوما رضي الله عنه فاشتد غضبه وكان يحضره في ذلك الغضب ابنه عبد الملك، فلما سكن غضبه قال له: يا أمير المؤمنين أنت قدر نعمة الله عليك وموضعك الذي وضعك الله تعالى به وما ولاك من أمر عباده، يبلغ بك الغضب ما أرى؟ قال عمر رضي الله عنه كيف قلت؟ فأعاد عليه ما قال: أما تغضب يا عبد الملك؟ فقال: ما تغني سعة جوفي إن لم أردد فيه الغضب، حتى يظهر منه شيء أكرهه.

تلاوتهم لكتاب الله تعالى
يقرأون القرآن كما كان يقرأه السلف الصالح، ترتيلا وفهما وتدبرا وعملا يرتب كل واحد منهم على نفسه وردا قرأنيا أيا كان عدد آياته ليكونوا على صلة يوميا بدستورهم الرباني الذي لا يأتيه الباطل من بينه يديه ولا من خلفه قرأنهم الذي يقرر لهم أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما في الماضي والحاضر والمستقبل وما قبل الماضي وما بعد المستقبل وما يدخل في علم الله مما لا يعلمه أحد من البشر.
ولذلك فقلّ أن تجد أخا لا يحفظ القرآن كله، وخاصة القدامى منهم وقد كانت فترة السجون التي قضوها محبوسين في عهد عبد الناصر فترة ثمينة حفظ فيها الكثير من الإخوان المسلمين القرآن ولما كان أعوان عبد الناصر يرغمونهم على العمل في الواحات طوال النهار، كان الحافظ منهم للقرآن يحفظونه لغيرهم مشافهة أثناء العمل ولقد قال بعض الصالحين أن من قرأ القرآن متع بعقله وأن بلغ مائتي سنة.

إنهم لا ينقصون أحدا فإنهم لا يرون أنهم خير من أحد، خشية الغرور وهذا سلوك لو أخذ به المسلمون مع أنفسهم، لغدوا جميعا على خير منزلة من منازل الصالحين، فقد صلى ابن المنكدر على رجل، فقيل له أتصلي على فلان؟ فقال إني أستحي من الله عز وجل أ، يعلم مني أن رحمة الله تحجز عن أحد من خلقه وهكذا يعجلون لدار يرحلون إليها كل يوم مرحة أكثر وأكثر مما يعلمون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة.

﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾

إن من سلوكهم الرائع أنهم يتحملون ما يكرهون، إذا كان فيه مرضاة الله تعالى ويتركون ما يحبون إذا علموا أن فيه ما يغضب الله تعالى ولهذا كان الله تعالى معهم في محنهم رضاء وتثبيتا وسكينه.

أمة مجاهدة
ألم تر أنهم أشد المسلمين اليوم حرصا على الجهاد ودعوة له وتحريضا عليه ومزاولة له بجميع صوره ومراحله ذلك لأنهم أعدوا للجهاد عدته، فلم يجبنوا يوما عن لقاء عدو، وأن أرض فسيطين وسوريا وأرض القنال وغيرها لتشهد لهم بذلك بين يدي الحسيب الرقيب يوم لا ينفع جاه ولا سلطان ولا عتاد ولا أعوان وكان من عدتهم في ذلك أنهم لم يشق عليهم تهجد الليل ودعاء السحر ولم يبخلوا بما في أيديهم عن إنفاقه في سبيل الله فلم يجبنوا أبدا عن لقاء عدو، ولم يخشوا أحدا في الله.

-----------
من كتاب "بعض ما علمني الإخوان المسلمون"  للمرشد الثالث أ. عمر التلمساني