..ومسيرة المجاهدين تحت رايته لا تعرف إلا التواصل

 بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وعلى أصحابه أجمعين.. وبعد،

في تنصُّلٍ تامٍ- مخجلٍ ومحزنٍ- من كافة قيم العدل والإنصاف تكأكأَت قوى الشر والعدوان في أميركا والاتحاد الأوربي لتحرم الشعب الفلسطيني من حقه في الحياة آمنًا حرًا في وطنه، ومن حقه في مقاومة الاستعمار الصهيوني الذي سلبه هذا الحق في الأراضي التي استولى عليها بالأمس في 1948م.. بعد أن قتل عشرات الآلاف من الأبرياء، ودمر مئات القرى والمدن، وشتت وشرد الملايين بدعم أوروبي أميركي.. ثم يسعى اليوم بكافة طرق ووسائل الخبث والمكر والإجرام والوحشية ليبتلع الأراضي التي احتلها في كارثة 1967م أيضًا بدعم أوروبي أميركي، وليغلق ملف القضية ويُنهي الوجود والدور الحضاري لشعب عربيٍّ مسلم بأسره، ليبدأ جولة جديدة من العدوان والتوسع تهدف لإقامة وطن قوميّ فيما حول فلسطين على حساب ووجود ومصير شعوب العرب والمسلمين.

الإدارة الأميركية ومعها الاتحاد الأوربي- وقد تحللت من كافة القيم والمثل- تكرس اليوم كل الجهود، وتمارس كافة الضغوط، وتجتاح بجيوشها أقطار العرب والمسلمين، وتجاهر في سفورٍ بانحيازها للكيان الصهيوني الغاصب في عدوانه وإجرامه.. لا تستحيي ولا تتورع، وتعلن أن مقاومة الشعب الفلسطيني للذين يحتلون وطنه، ويهدرون دماءه، ويجرفون أرضه، ويهدمون مساكنه، ويغتالون- في إجرامٍ ووحشية- قياداته ورموزه وأطفاله ونساءه وشبابه، ويعتقلون الألوف من العزل الأبرياء...، إنما هي عنف وإرهاب يجب أن يُحرَّم ويُجرَّم، وتفكَّك وتعتقل وتغيّب كلّ منظماته، وأن تجفف عنه مصادر الدعم والعون من أشقائه!.

بل وتستخدم الإدارة الأميركية ومعها الاتحاد الأوربي كافة أسلحة وأساليب الضغط والتهديد إزاء العواصم العربية والإسلامية، خاصةً بعد اجتياح أفغانستان.. ثم العراق الذي نصَّبت على قمة السلطة فيه- في تحدٍّ صارخ لمشاعر الأمة العربية المسلمة- حاكمًا أميركيًا، وصار لها وجودها وحشودها على طول الحدود مع دول عربية وإسلامية كثيرة، لتعتبر بدورها المقاومة الفلسطينية إرهابًا، ويجب أن تكف يدها عن عونه ومساعدته، ولاتلزم نفسها بإرسال أي دعمٍ للسلطة الفلسطينية.

إن كافة قوى الشر تتكالب اليوم على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة مَن احتل أرضه وصادر وجوده.. وفي نفس الوقت تصادر حق وواجب الشعوب العربية والإسلامية في مؤازرة شعبٍ شقيق يعيش محنةً أكثر من دامية، الأمر الذي يعني أن لسياسة قوى الشر العالمية- المنحازة للباطل والجور والطغيان في تجبر وسفور- أبعادها العقائدية التي لا تكتفي بهضم ومصادرة حق شعبٍ عربي مسلم أعزل في أرضه ودياره وأمنه وحريته، بل تمتد لمصادرة حقوق وواجبات غيرهº لتقطع أواصر الصلة والتراحم والتعاطف والتواد والتعاون والتآزر، التي أوجبها الله سبحانه ودعا رسوله- صلى الله عليه وسلم- الأمة كافةً للقيام بهاº ليندرج تجريم وتحريم المقاومة الفلسطينية- التي شرعها الله، وأوجبها ضد الاحتلال الصهيوني الإجرامي الوحشي- تحت إطار سياسة أميركية صادرت وتصادر أموال الجمعيات الخيرية، ومارست وتمارس شتى الضغوط لتجفيف وتجميد منابع الخير والصلة والتراحم على مستوى الأمة الإسلامية.

ويزداد عداء السياسة الأميركية والأوربية سفورًا حين يوازي الضغوطَ الأميركية والأوربية- لوأْد الانتفاضة الفلسطينية وتجريم المقاومة- ضغوط أميركية أوربية يصاحبها ترويج مفضوح لما يُسمّى بخارطة الطريق، رغم أنها لا تحمل للعرب والمسلمين إلا السراب يلهثون وراءه، والوهم يقودهم إلى الضياع والبوار، بينما تضمن للعدو الصهيوني مواصلة سياسته العدوانية التوسعية في ظل الأمن الذي يوفره له القضاء على المقاومة، وفي ظل مساهمة الحكومات العربية في تجفيف منابع دعمها ومساعدتها.

وإن كانت كافة الضغوط الأميركية والأوربية لا تستطيع أن تحجب ممارسات أميركية وصهيونية صارت تؤكد افتقاد الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني للصدق والمصداقيةº مما حرك وفعّل ثورة وغضب الأمة مع رفضها لخارطة الطريق.. والمحاولات والضغوط الأميركية الأوربية لوأْد أو القضاء على الانتفاضة.. ومن ذلك:

* أنه في الوقت الذي تشيد فيه أميركا والاتحاد الأوربي- بل وعواصم عربية- بخطة خارطة الطريق تعلن صحف العدو الصهيونية أن حكومة الكيان الصهيوني قررت إحياء مشروعٍ استيطاني ضخم تم إقراره في عام 1999م في المناطق المحيطة بالقدس ليلتهم 14 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية.. ويربط بين المستعمرات اليهودية التي أقامها الكيان الصهيوني الغاصب على الأراضي الفلسطينية.

*أن أميركا رفضت وترفض- ومن ورائها الكيان الصهيوني الغاصب- قبول إرسال قواتٍ دوليةٍ للفصل بين الكيان الصهيوني الغاصب في الأراضي التي احتلها اليهود في 1948م وبين الأشقاء الفلسطينيين في الضفة وغزةº لأن ذلك سيعوق المخطط الصهيوني في مواصلة العدوان على سكان الضفة وغزة، ودفعهم للهجرة، وأيضًا سيعوق التوسع في بناء المزيد من المستعمرات اليهودية في الضفة وغزة، وهو أمر في حدّ ذاته يفضح ويكشف السياسة الأميركية والأوربية.

*أن السفاح "شارون" قد صرح بأنه يمهل حكومة السلطة الفلسطينية ثلاثة أسابيع لتنظيم قواتها الأمنية ليتسنَّى لها القضاء على (حماس) وفصائل المقاومة الفلسطينية، مشددًا على أن جيش الاحتلال الصهيوني سيواصل استهداف القيادات والرموز الفلسطينية بالاغتيال والتصفية، وهو بذلك ومن ورائه أميركا يدفع السلطة الفلسطينية للدخول في صراع مع منظمات المقاومة.

كما قالت صحيفة معاريف اليهودية إن أميركا والكيان الصهيوني ينسقان لشنّ حرب فورية على (حماس)، وإن رئيس جهاز المخابرات موجود في واشنطن لإجراء محادثات حول الخطوات التي يجب اتخاذها لتدمير البنية التحتية لِ"حماس" وتصفية قادتها وكوادرها.

أيضًا أعلنت المصادر الأوربية أن الاتحاد الأوربي يبحث إيجاد آلية لمنع أي مساعدات عن "حماس".. وأن هناك أوساطًا أوربية تدفع الاتحاد لاتخاذ هذه الإجراءات.

بينما يقول وزير صهيوني إن الكيان الصهيوني يعمل على تقليل أي أضرار من وراء خطة الطريق، وذلك تمهيدًا لإجهاضها ثم استبدالها ببرنامج آخر، الأمر الذي يؤكد أن الخطط الأميركية الصهيونية المختلفة والتي تعددت أسماؤها منذ (أوسلو) حتى اليوم لا تعني في المفهوم الصهيوني الأميركي إلا المضيّ في سياسة التوسع والعدوان، مع اعتماد كافة السبل والطرقº حتى يتم تفريغ القضية من مضمونها، وتجريد الشعب الفلسطيني من كافة حقوقه.

العلاقة بين ما يجري في العراق.. وفي فلسطين

كما أن العلاقة هي أكثر من وثيقة بين ما يجري في فلسطين المحتلة.. وبين الذي يجري في العراق الذي تم احتلاله، فإذا كانت أميركا قد جرّمت المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني.. فإنها أيضًا تجرّم المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، بل وتزعم أن ما يجري في العراق من مقاومة إنما تقوم به فلول النظام الحاكم السابق في العراق، وأنها إرهاب يزعزع الاستقرار والأمن في العراق.

وتحشد أميركا قواتها وأسلحتها في بغداد وغير بغدادº لمواجهة المظاهرات الغاضبة الثائرة ضد الاحتلال والممارسات التي تتطاول على كرامة الإنسان العراقي، ولا تتوانَى عن سفك دماء المتظاهرين، واعتقال المئات من الأبرياء، وتقييد أرجلهم وأيديهم، وحجب أبصارهم، واقتحام البيوت والمساكن، والعدوان في حمق وغطرسة على الحرمات، تمامًا كما يفعل الصهاينة بأبناء الشعب الفلسطيني.

وإمعانًا في الاستخفاف والاستهزاء والتحدي لمشاعر العرب والمسلمين يصرّح مستشار وزير الدفاع الأميركي بأن "صدام" لم يكن خطرًا مباشرًا على أميركا، وأن أسلحة الدمار الشامل لم تكن السبب الرئيسي لغزو العراق.. وأن أميركا ستبقَى في العراق لفترة ليست محددة.

وتكشف أميركا عن جانبٍ من وجه سياستها في العراق، حين تتوفر كثير من المعلومات، تؤكد فتح أبواب العراق أمام اليهود ليدخلوه فرادى وجماعات، مدنيين وعسكريين، ويقيمون المشروعات، ويشترون الممتلكات والمصانع والشركات، ويستأجرون ويشترون البيوت والمساكن في بغداد، كما يفتح الموساد له مكاتب في أكثر من مدينة عراقية، خاصةً مدن الحدود مع إيران وسوريا، في إطار التنسيق والتناسق بين الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية في واشنطن.

يعبّر عنه "نتانياهو" حين أعلن أن نفط العراق سيتدفق على حيفا، وأن الوقت لن يطولº لأنه- آجلاً أم عاجلاً- سيعود للتدفق، وأيضًا الأخبار التي تتوالى عن صفقات أميركية صهيونية لمشاركة الكيان الصهيوني في إعادة إعمار العراق- بعد أن خربه ودمره الغزو الأميركي في هجمة شرسة- صارت معروفة الأبعاد والأهداف.

بل وتزداد العلاقة توثقًا بين ما يجري أميركيًّا في العراق وما يجري أميركيًّا وصهيونيًّا في فلسطين المحتلة، وتتكشف أبعادها حين تتوارد أيضًا أنباء تعلن أن احتلال أميركا للعراق ربما يتجاوز العشر سنوات، وأن ثمة دستورًا جديدًا للعراق تقوم جهات يهودية بإعداده، إضافةً إلى مشاركة يهودية في إعداد المناهج التعليمية الجديدة للعراق الجديد.

وفي إطار التخطيط الأميركي لفرض الأمركة على العراق والتسويق لمشروع الشرق أوسطية عربيًّا، شارك الحاكم الأميركي في بغداد في مؤتمر (دافوس) مع كافة الوفود العربية مع وفدٍ صهيونيٍ وأيضًا مع وفدٍٍ أميركيٍ.

المقاومة في المفهوم الإسلامي

يبدو أن أميركا لا تفهم أو لا تريد أن تفهم أو تدرك أن مقاومة الاحتلال أميركيًّا أو صهيونيًّا هي في مفهوم الشعوب العربية والإسلامية تعني الجهاد المشروع المفروض، والنهوض به واجب، ودعمه بكافة السبل والوسائل واجب، وقد جعل الله ثمنه ومكافأته النصر في الدنيا، أو الشهادة والجنة في الآخرة!! حيث قال- وقوله الحق-: (إنَّ اللهَ اشْتَرَى منَ الْمُؤْمنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتلُونَ في سَبيل الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْه حَقًّا في التَّوْرَاة وَالإنْجيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بعَهْده منَ الله فَاسْتَبْشرُوا ببَيْعكُمُ الَّذي بَايَعْتُمْ به وَذَلكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ) (التوبة:111).

وإذا كان الإسلام- وتلك أيضًا حقيقة غابت أو غيّبت عن أذهان الذين يرسمون السياسات في واشنطن أو غير واشنطن – هو دعوة لا يمكن أن تتوقف، خاصةً وقوافل المؤمنين المجاهدين على درب الجهاد ماضية ساعية إلى ربها متواصلة لا تنقطع ولا تتوقف، فإن علينا أن نظل متمسكين به، أكد ذلك سلف المجاهدين بالأمس ويؤكده المجاهدون اليوم، دون يأسٍ أو قنوط، بل ثقة في نصر الله ويقينًا في تأييده، وهو القائل سبحانه: (وَلا تَيْأَسُوا منْ رَوْح اللَّه إنَّهُ لا يَيْأَسُ منْ رَوْح اللَّه إلاَّ الْقَوْمُ الْكَافرُونَ) (يوسف: من الآية87).

والقلب المسلم لا يعرف ولا يتسع إلا للإيمان الراسخ، يواجه العواصف في ثبات ويصمد في وجه المحن في صلابة، ويمنح العزم والقوة عند الشدائد، كما يدفع للأخذ بكل الأسباب دون تهاون حتى يكون النصر أو تكون الشهادة.. ومن ثمَّ فهو لا يعرف في كافة الأحوال والظروف أو الأجواء شكلاً من أشكال الرضوخ أو الاستسلام، بل العزة في شموخ، والكبرياء في إباء، امتثلها المجاهد المسلم وتمثلها في قول رب العزة: (وَللَّه الْعزَّةُ وَلرَسُوله وَللْمُؤْمنينَ وَلَكنَّ الْمُنَافقينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: من الآية8).

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

إن اعتزاز المسلم بربه ودينه هو كبرياء إيمانه، وكبرياء الإيمان يجسّد في نفسه الأنفة، فلا يصغُر أمام سلطان، ولا يتراجع أمام محتل، ولا يرضخ أمام حصار، ولا يفرط في حقه ووجوده أمام تجريف للأرض أو اجتياح للديارº لأنه يرفض القهر بالقهر، ولا يرضى بالظلم، ولا يكون ذنَبًا لحاكم أو مستعمر.

إن عزة الإيمان وكبرياء المؤمن فيها الترفع عن مغريات الحياة، والسمو أمام مزاعم الناس وأباطيل الدنيا مع الإصرار على الإعداد لمواجهة المعتدين، كما فيها الحرص على الانخفاض، وهو يخدم ويساعد ويدعم المسلمين في كل مكان، ويحترم ويلتزم الحق الذي يجمع المؤمنين ويؤلف بين قلوبهم، وصدق الله إذ يقول: (مَنْ كَانَ يُريدُ الْعزَّةَ فَللَّه الْعزَّةُ جَميعاً إلَيْه يَصْعَدُ الْكَلمُ الطَّيّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذينَ يَمْكُرُونَ السَّيّئَات لَهُمْ عَذَاب شَديد وَمَكْرُ أُولَئكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10)، وصدق سبحانه القائل: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبهمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا في الأَرْض جَميعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبهمْ وَلَكنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إنَّهُ عَزيز حَكيم) (الأنفال:63)

وحين يرتفع الآذان فوق الآلاف من المآذن على الساحة الممتدة من المحيط إلى المحيط، بل وفي غيرها، يكبّر من خلاله المؤذنون ربهم وحده في البداية والنهاية، فإنما لكي يوقن المسلم يقينًا لا يهتز ولا يزيغ بأن كل متكبر بعد الله الخالق البارئ القادر، إنما هو صغير..!! وأن كل طاغية إنما هو ضئيل..!!.

وعندما ربَّى الإسلام المسلم على معالمه ومفاهيمه، وربط بين الإيمان في القلوب والفهم الصحيح في الأذهان، وبين العمل السويّ من خلال الجوارح على أرض الواقع وأوصى بل وألزَم الإنسان بالعزة.. فقد هداه إلى أسبابها.. ويسَّر له وسائلها، ورسَّخ في مفاهيمه أن الكرامة في التقوى، وأن السموَّ في العبادة وأنَّ العزة في الطاعة، وأنه إذا اعتدى عليه معتدٍ أو طمع فيه باغٍ كان دفاعه عن نفسه جهادًا في سبيل الله أوجبَه الله، وكان موته دون حقه شهادة..!!

من هنا تواصلت قوافل الدعاة المجاهدين يجهرون بالحق، ويدعون- دون كَلَلٍ- إلى الإصلاح، وينادون ويعملون من أجل وحدة الأمة، ويطالبون- في إصرار- بإصلاح البيت وإعادة ترتيبه، ورفع المظالم، وإحلال العدل والإنصاف والمساواة وإطلاق الحريات، واجتثاث أسباب وجذور الفساد، معلنين رفضهم للضيْم، وللعدوان الصهيوني والأميركي، داعين لإعداد العدة وكافة أسباب المنعة والقوة لتحرير الأرض والمقدسات، وهم يرددون في إيمان وثقة واطمئنان ويقين قول الله تعالى: (منَ الْمُؤْمنينَ رجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه فَمنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمنْهُمْ مَنْ يَنْتَظرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلاً) (الأحزاب:23)، داعين الله في صدق وإخلاص بأن يثبتهم على الحق والهدى وهم يدركون حق الإدراك قوله: (وَإنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: من الآية38).

وإذا كان الشهداء قد أكدوا تواصل المسيرة على أرض فلسطين.. وفي العراق.. وفي أفغانستان وفي كشمير والشيشان.. وإذا كان أخونا "محفوظ نحناح"- رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته- قد جاد بآخر أنفاسه، وهو ينهض بواجب الدعوة إلى الله، وقدم للجزائر ولأمته كل ما يستطيع، حتى قال فيه "بوتفليقة"- رئيس الجمهورية الجزائرية-: "ما من مشكلة ألمَّت بالجزائر إلا وكانت له(نحناح) في حلّها مساهمة، وما من قضيةٍ إلا وكان له فيها رأي، أو اتخذ فيها موقفًا نابعًا من حبه لوطنه".

فإننا ومعنا كل الدعاة وكافة المنصفين نقول: "إن الأمة بخير- إن شاء الله- ما دام الدعاة- على طريق الحق والجهاد- ماضين، وعلى وحدة الصف ووحدة الكلمة حريصين، في تواصلٍ لا يعرف التوقف أو التردد، مدركين عارفين دورهم، ينهضون به باذلين مضحين، وقد طرحوا الدنيا خلف ظهورهم لا يطمعون إلا في الثواب والأجر من ربهم، وهم واثقون مطمئنون لوعده، وفي أذهانهم وقلوبهم رسخت قولةُ موسى- عليه السلام- لقومه حين قالوا: (...إنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلاَّ إنَّ مَعيَ رَبّي سَيَهْدين) (الشعراء: من 61،62)

وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
----------
من رسائل المستشار "محمد المأمون الهضيبي" المرشد العام للإخوان المسلمين - 26 من ربيع الآخر 1424هِ = 26/6/2003م