عقد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الأحد، الجلسة الثانية من المؤتمر الدولي لمقاومة التطبيع تحت عنوان "التطبيع العربي بين الإستراتيجية الصهيونية والهرولة العربية".

وبحث المشاركون في الجلسة، خلفيات الهرولة لبعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الاحتلال والأسباب الدافعة له، وجذور التطبيع العربي مع الاحتلال، مع قراءة معمقة للإستراتيجية الصهيونية للتطبيع، والتأثير الإستراتيجي للتطبيع على الوطن العربي.

وشارك في الجلسة محسن صالح، رئيس مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (لبنان)، ووضاح خنفر رئيس منتدى الشرق (قطر)، ومعين الطاهر المفكر والباحث الفلسطيني (الأردن)، وأحمد الشيبة الأمين العام للرابطة الإعلامية الإماراتية لمقاومة التطبيع (بريطانيا)، وعزيز هناوي الأمين العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع (المغرب)، وأدارتها الإعلامية وجدان الربيعي (بريطانيا).

وقال محسن صالح، في ورقته التي حملت عنوان "إستراتيجية إسرائيل التطبيعية": إن "جوهر أزمة المشروع الصهيوني أنه أنشئ ككيان غريب في بيئة معادية، وبالنسبة له فإن جوهر حلّ مشكلته هو بالتحول إلى كيان طبيعي في بيئة صديقة أو غير معادية، وهو ما يُعرف بالتطبيع".

وأضاف: "المشروع الصهيوني يستهدف من خلال التطبيع ضرب جهاز المناعة في الأمة، وتحويل حالته السرطانية إلى ظاهرة صحية، وهذا لن يكون".

وتابع: "ويستهدف تحقيق حالة استلاب ديني وحضاري وثقافي وتاريخي في الأمة، وأن تحل الرواية اليهودية الصهيونية مكان الرواية الإسلامية، العربية، الفلسطينية. وهذا لن ينجح".

ورأى د. صالح أن "الأنظمة الفاسدة والمستبدة حاولت صناعة إنسان خاضع ضعيف منكسر، لتحافظ على نفسها، ولتمرّر مشاريع التطبيع وغيرها؛ غير أن أمتنا أثبتت أصالتها ومناعتها".

وأشار إلى أن العدو أراد من خلال التطبيع "عزل قضية فلسطين عن محيطها العربي والإسلامي، وتضييع بوصلة الصراع، وإغراق المنطقة في صراعات طائفية وعرقية".

وعدّ د. صالح أن "المسجد الأقصى والقدس وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته المستمرة؛ تعيد بوصلة الأمة دائماً إلى وجهتها الحقيقية ضدّ المشروع الصهيوني".

التأثير الإستراتيجي للتطبيع على الوطن العربي

 

من جانبه، عدّ وضاح خنفر في ورقته، التي كانت بعنوان "التأثير الإستراتيجي للتطبيع على الوطن العربي"، أن مصطلح "التطبيع" الذي روّج له لا ينطبق مع الحالة التي يتم الحديث عنها اليوم، بخصوص الاتفاقيات لبعض الأنظمة العربية مع الاحتلال "الصهيوني"، وأشار إلى أن التطبيع هذا لن يسير قدماً لأنه تطبيع غبي قائم على البهرجة.

وقال: نحن لسنا أمام حالة تصبح العلاقة طبيعية بين الكيان وبين الدول التي وقعت اتفاقيات، والسبب أن الصهاينة وفلسفة الدولة لديهم هي يهودية الدولة، وهو أهم ما يريدون  تحقيقه، وهذا هو الناظم للفكر الإستراتيجي لدى كيان الاحتلال. وهو لا يريد علاقة طبيعية مع المحيط ويريد أن يؤكد أنه حالة استثنائية".

وأضاف أن الاحتلال لا يريد التطبيع بالمفهوم الذي تحدث عنه الزعماء العرب، والكيان دولة غير طبيعية، ولا يريد أن يصبح جزءاً من المنطقة ولا جزءاً من نسيجها الاجتماعي والاقتصادي، والتطبيع هنا علاقة من طرف واحد يحاول تقديم جملة من التنازلات لمصالح ضيقة له.

وتابع: "الإستراتيجية مفقودة في الأنظمة العربية التي وقعت على التطبيع، وما نراه هو جملة من التكتيكات التي لا تنسجم مع الإستراتيجية، وهي قائمة على مصالح ضيقة".

ونبه خنفر إلى أن الكيان الصهيوني  لديه إستراتيجية واضحة، وهي "على الرغم من تعدد السياسات وتمزق البنى الاجتماعية فيها، إلا أن هناك إجماعاً أن "الكيان" يقوم من خلال منظور أمني على حماية ذاته، دولة أمنية تراقب الفضاء من المحيط إلى الخليج، وإذا ما كان هناك جهة يمكن أن تهددها ولو بعد عقود من الزمن؛ فسوف تحاربها.

وأوضح خنفر أن العالم العربي "ليس لديه دولة بالمفهوم العميق، ونحن لدينا دول سطحية ومجتمع عميق، والمجتمع العربي هو الذي يجمع القيم، وهو مجمع ومخزن ما نسميه بالوعي الإدراكي العميق. وهذا الوعي لو نال الحرية سيعود إلى السطح ويتفاعل".

وتابع: "الإجماع الشعبي العربي؛ فلسطين في المركز فيه، وهذا مؤشر على أن قضية فلسطين لن تندثر".

ورأى خنفر أن "الدول التي وقعت على التطبيع ستخسر، ولن تحصل على أي فوائد منه، فهذه الدول فشلت في تقديم الخدمات لشعوبها، وتعيش الجهالة في أعلى معدلاتها والبطالة وأعلى بطش على مستوى النظام والفساد، وكانت تقدم الموضوع الفلسطيني لشعوبها بأنها تقف إلى جانب القضية الفلسطينية (وتتستر خلفها)".

ونبّه إلى أن "العالم يتغير، والدول المطبعة لا ترى الأمور بشكل صحيح، والكيان الصهيوني هو صنيعة لكيان دولي، ولم يعد الآن كما هو سابقاً، وهناك تغير في موازين القوى ولو تدريجيًّا، وهناك حالة أمريكية تدعو للتقليل نحو الاندفاع في الشرق الأوسط".

النعيمي: الإمارات تقود التطبيع

 

من جانبه، قال أحمد النعيمي: "الوضع مؤلم اليوم، بصفتي إماراتياً وخليجياً، ولكن الوعي الموجود لدى الشعوب الخليجية وارتباطها مع القضية لم يكن قادراً على استيعاب هذا التحول الحاصل والتخلي عن القضية الفلسطينية".

وعدّ النعيمي في ورقته "الأسباب والخلفيات للتطبيع"، أن التطبيع مر بمراحل تدريجية وخاصة في منطقة الخليج، ورأى بأن "الدول العربية وخاصة الخليجية، ليست لديها رؤية ولا عمق إستراتيجي في التفكير حتى يكون لها مشروع".

وبين النعيمي أن خلفيات تطبيع الإمارات مع الاحتلال الصهيوني كان تحت مبررات عديدة منها بأن "الإمارات قادت التطبيع على أنه إقامة علاقات لمصلحة الفلسطينيين، ثم انتقلت لشراكة إستراتيجية وتحولت إلى أمر غير متوقع لتصالح بين النظام الإماراتي والعدو الصهيوني، وحالياً نرى الذوبان الكامل في الإستراتيجية الصهيونية والدخول الكامل في المشروع الصهيوني".

وأوضح النعيمي بأن الحكومة الإماراتية حالياً "تتبنى المشروع الصهيوني حماية لنفسها ولذاتها وتخوفها، وهي تخشى ما حصل في دول الربيع العربي، وتخوفها من المشاريع فهي لا تملك مشروعاً حقيقياً ولا أي رؤية مستقبلية".

ورأى النعيمي أن التطبيع قائم على 3 أمور رئيسة؛ "تحسين الصورة عن الشخصية الصهيونية لدى الوعي الخليجي العربي عموماً، وشيطنة الشخصية الفلسطينية، وسلخ القضية من حالة التبني من الوعي للشخصية الخليجية".

افتقار التطبيع للشرعية الشعبية

 

بدوره أشار المفكر الفلسطيني معين الطاهر، إلى أن "محاولات الحركة الصهيونية منذ نشأتها لم تتوقف عن فرض نفسها وترويج فكرتها، وتطبيع علاقاتها مع العرب والمسلمين، واستغلال ذلك لمنحها موطئ قدم في فلسطين".

وأضاف: "بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد قطعت الدول العربية كلها علاقتها بمصر، ولم يجرؤ أي نظام عربي على عقد صفقة مشابهة، إلا بعد اتفاق أوسلو الكارثي. فتغيّرت النظرة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، فبدأ يتجه نحو العلانية، بذريعة أن أصحاب القضية ذاتهم قد اعترفوا بالعدو، وانتقلوا إلى مرحلة التفاوض معه".

وأوضح الطاهر إلى اتفاقيات التطبيع الأخيرة، جاءت تحت عدة مبررات وحجج واهية، وهي: "دفع لعقوبات ظالمة فرضتها الولايات المتحدة، وتارة يتم مقايضة العلاقات بين المغرب والكيان الصهيوني باعتراف أمريكي بالإقليم الصحراوي إقليمًا مغربيًّا! وتارة أخرى هي تطوير لتطبيع قائم فعليًّا ليتحول إلى تحالفات أمنية في مواجهة محاور إقليمية وعدو خارجي مفترض".

وعدّ الطاهر أن التطبيع "ثمرة من ثمار هشاشة النظام العربي وانقسامه وفشله، وما كان من المحرمات حتى للنظام الرسمي العربي أصبح مباحًا اليوم. ومع ذلك، لا يزال التطبيع يفتقر تمامًا للشرعية الشعبية، ما يجعل أصحابه يتمسحون بالقضية الفلسطينية، ويستترون بها، ويدّعون خدمتها وتأييدها".

وأكد أن الرفض الشعبي للتطبيع "يشكل عاملاً مهماً في منع المزيد من الإقدام على هذه الخطوة. ومقاومة التطبيع تستند أساسًا إلى الجمهور العربي، والذي لا يزال يعدّ فلسطين قضيته القومية الأولى".

وعلى الساحة الفلسطينية، عدّ الطاهر أن الشرط لقياس جدية السلطة الفلسطينية في مقاومة التطبيع هو "سحب اعترافها بالكيان الصهيوني، وإلغاء اتفاق أوسلو، ووقف التنسيق الأمني، إذ لا تستطيع أن تنهى عن الشيء وهي تأتي مثله".

تخريب لكل مكونات الأمة

 

بدوره، أكد الدكتور عزيز هناوي، في ورقته "الابتزاز في التطبيع- المغرب نموذجاً"، أن "التطبيع هو تخريب لكل مكونات الأمة، رغم ما يدعيه المروجون له، بأنه مصلحة للقضية الفلسطينية ومصلحة وطنية".

وقال: "الاستبداد العربي هو توءم الكيان الصهيوني، والهرولة العربية هي طبيعية لأنها ترتبط بالحبل السري لهذه الأنظمة لأنها في منشئها ارتبطت بوجود الكيان والمؤامرة الصهيونية العالمية. والاستعمار رعى قيام هذا الكيان كما رعى قيام حدود وجغرافية مرتبطة لهذا اليوم به".

ورأى أن "الكراسي العربية هي بنادق في خدمة المنظومة الصهيونية الأمريكية وتقدم هذه الأنظمة لشعوبها بأنها قائمة على أمنها"، منبّها إلى أن الهرولة العربية تواجهها الشعوب عبر محورين، "مقاومة التطبيع ومقاومة الاستبداد، وحرية فلسطين تنطلق من حرية الشعوب".

ودعا د. هناوي، إلى أن السبيل لإسقاط الكيان الصهيوني هو "إسقاط الاستبداد باعتباره ممراً لإسقاط الكيان الصهيوني، الذي يتحالف مع الغرب الإمبريالي ويراهن على إبقاء الشعوب مستعمرة".

واختتم مداخلته بالقول: "إذا كان الكيان الصهيوني وهو يعيش انعدام عناصر توازن الرعب مع المقاومة الفلسطينية، والمنظومة الصهيونية السياسية تعيش حالة انهيار للآن، يقابلها هرولة تطبيعيه لإنقاذ هذه المنظومة. والاستبداد العربي يعاني ترهلاً وهذا التطبيع ساقط بالطبيعة؛ فهذا الكيان إحلالي عنصري مهما هرولت الأنظمة لتطبيع العلاقة معه".

وكانت قد انطلقت السبت 27-2-2021، أولى جلسات المؤتمر الدولي لمقاومة التطبيع، الذي ينعقد عبر منصة ZOOM الافتراضية، بملتقى افتتاحي شاركت فيه، شخصيات فلسطينية وعربية وأجنبية من مختلف دول العالم.

 

ويهدف المؤتمر، الذي تستمر فعالياته، حتى 3 من مارس 2021، بحث سبل مواجهة التطبيع بأشكاله كافة مع الاحتلال  الصهيوني، ومواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، ويسلط الضوء على حقوق الشعب الفلسطيني.

 

ويتناول المؤتمر في جلسته الثالثة، الاثنين، النبض الشعبي العربي المناهض للتطبيع، والحديث عن دور الشعوب العربية في قطع الطريق على اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وستتطرق الجلسة الرابعة في المؤتمر (الثلاثاء 2 مارس) إلى الحديث عن حصاد التطبيع، والجلسة الخامسة (الأربعاء 3 مارس) ستكون حول الإستراتيجية العربية والدولية لمقاومة التطبيع.