هَزَمَتْ أفغانستان ثلاث إمبراطوريات عريقة خلال قرنين من الزمان وهم: أولاً : الإمبراطورية البريطانية التي انسحبت من أفغانستان بعد كارثة عام 1842م ، عندما تم ذبح  جيش بريطاني كامل أثناء انسحابه نحو الهند. وقد ترك الأفغان رجلاً واحداً ليحكي لقيادته قصة ما حدث للجيش الذبيح ! .
ثانياً : الإمبراطورية السوفييتية؛ فقد غزى السوفييت أفغانستان في 25 ديسمبرعام 1979 بسبب مطامع قديمة لموسكو في المنطقة، وكذلك بسبب الصراع الأمريكي السوفييتي حول مناطق النفوذ في العالم في إطار الحرب الباردة بينهما . وقد تكبد السوفييت خسائر فادحة بفعل المقاومة الشرسة التي أبداها المقاتلون الأفغان والعرب خلال عقد كامل من القرن الماضي .
وكان السوفييت يهدفون من وراء غزو أفغانستان إلى الوصول إلى المياه الدافئة، وتهديد مناطق النفوذ الأمريكي فى باكستان، ولكن انتهى الأمر بهزيمة السوفييت وانهيار الاتحاد السوفييتي .
 وثالثاً أخيراً : ها هي الولايات المتحدة الأمريكية تعلن هزيمتها في أفغانستان بكامل إرادتها، واضطرارها للانسحاب من أفغانستان بعد  احتلالٍ دام عقدين من الزمان بزعم محاربة الإرهاب !! .
وقبل يومين ألقى "جو بايدن" خطاب الهزيمة الذى أقرّ فيه بأن 20 سنة من الحرب لم تؤثر على قدرات طالبان العسكرية .
وقد أثار الانسحاب الأمريكي المتسرع وغير المرتب من أفغانستان دهشة واستغراب كثيرين من المتابعين للشأن الأفغاني؛ حيث لم تُخطِر أمريكا الحكومة الأفغانية بالانسحاب من قاعدة باجرام العسكرية إلا بعد إقلاع آخر طائرة من القاعدة، ولم تَعلم الحكومة الأفغانية بانسحاب الأمريكان إلا من خلال قُطَّاع الطُرق الذين دخلوا لنهب القاعدة !. 
وقد جاء الانسحاب الأمريكي ليعلن نهاية أطول حربٍ خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية لنحو عقدين من الزمان ، بعد أن أرسل الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش الإبن "  القوات الأمريكية للإطاحة بحكومة طالبان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 . 
وقد جاء  الجنود الأمريكيون إلى أفغانستان يحملون شعارات دحر الإرهاب ونشر الديموقراطية والنماء .
وقد تكبد الجيش الأمريكي الكثير من الخسائر . 
فقدْ فقدَ نحو 2300 شخص أمريكي ، وخسائر مالية بلغت قرابة  3 تريليون دولار .
وبرَّر بايدن انسحابه من أفغانستان بقوله : "طالبان زادت إمكانياتها وقدراتها لقتل المزيد من الأمريكيين لو أرادت ذلك . ولن أرسل جيلاً جديداً من الأميركيين الى الحرب فى أفغانستان".
وهنا يكذب الخواجة "بايدن" ويتحرى الكذب كما هى عادة الأمريكان قائلا : "أن الولايات المتحدة لم تتدخل في الدولة الآسيوية قبل عقدين "إلا لبناء أمة" ، مشدداً على أن تلك هي "مسؤولية الأفغان".
فى حين أن الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" قال قبل عقدين : "سنهزم ونسحق طالبان ، و سنعمر أفغانستان جديدة بلا طالبان " وأفغانستان الجديدة التى أرادها بوش هي التي تعلم الفتيات الرقص والتمرد على قيم الدين!! . 
وصدق بايدن _ وهو الكذوب _ حين قال: " عندما تسلمت الرئاسة اكتشفت أن طالبان في أقوى حالاتها، وعلى عملائنا في أفغانستان التعايش مع طالبان لتحقيق السلام" .
وسائل محاربة الإرهاب _ كما يدَّعون _ في الوقت الحالي لم تعد كما كانت في السابق .
فاليوم تعني محاربة الإسلام بالوكالة وتمكين الأقليات من سدة الحكم فى البلاد الإسلامية كما هو مشاهد فى العراق واليمن ولبنان وسوريا .
 وأكمل بايدن حديثه بقوله : "الولايات المتحدة الأمريكية لن تبقى متمسكة بسياسة كانت معتمدة قبل 20 عاماً في أفغانستان . وأنها لن تتخلى عن كل من دعم مهمتها هناك ، وقد درَّبْنا 300 ألف جندي أفغاني ليكونوا مجهزين عسكرياً بشكل جيد ليدافعوا عن استقرار بلادهم".
ومتى كان العملاء الذين باعوا شرفهم عامل استقرار؟! . 
 وأمريكا تعي ذلك جيداً .. أن هؤلاء هم وكلاؤها بعد خروجها لزعزعة الاستقرار وحرمان الشعب من حريته وكرامته .
ثم خاطب بايدن العملاء والخونة الذين مكنوا للأمريكان من احتلال بلادهم لعقدين من الزمان قائلا : "نستطيع ضمان سلامة من يرغب بمغادرة أفغانستان ، ولكن لايمكننا إدخالهم إلى الولايات المتحدة فى وقت واحد، وإن آلافاً من المترجمين الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية ويواجهون تهديدات من مقاتلي طالبان سيتمكنون من اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية . ثمة مكان لكم في الولايات المتحدة .. لو اخترتم ذلك سنقف معكم كما وقفتم معنا". 
ومن الواضح أن أمريكا باعت الحكومة العميلة وتخلت عنها حيث استبعدتها من مفاوضات الدوحة وسحبت منها الدعم الجوي .
وانسحبت من قاعدة باجرام وسحبت قواتها دون إعلام قوات الحكومة .
ومع إعلان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بدأت القوى الإقليمية تتصارع من أجل ملأِ الفراغ الأمريكي .
 وتُعَد تركيا هي الأبرز للعب دورٍ محوريٍ في أفغانستان .
ولكن ذلك ليس بالأمر السهل فى ظل حالة الاستقطاب الموجودة على الأرض، ولكن في نفس الوقت ليس مستحيلاً ، ويتوقف ذلك على التفاهم مع طالبان وإقناعها أن بقاء القوات التركية ليس لتنفيذ أجندات أمريكية أو لحساب الناتو ، وإنما لدعم استقرار أفغانستان ومساعدة الشعب الأفغاني .
وقد أبدى أردوغان موافقة بلاده المبدئية على إبقاء قوات تركية في كابول لإدارة المطار وتأمينه مع بعض الدول مثل المجر وباكستان، ولكن تركيا اشترطت لتقوم بهذا الدور بعد الانسحاب الأمريكى أن تتلقى دعماً أمريكياً كما صرح بذلك وزير الدفاع التركى "خلوصي أكار" الذى أوضح أن تركيا تحتاج إلى دعم  "سياسي ولوجيستي ومالي" ، بما يشمل  تغطية نفقات إدارة المطار وكذلك ترك القوات الأميركية بعض معدّاتها بعد الانسحاب .
وفى مقابل الدور التركي المنشود بدأ يلوح فى الأفق دور إيراني مشبوه تتطلع إيران من خلاله إلى دعم الحكومة الأفغانية والسعي لإدخال "ميليشيا فاطميون الأفغانية الشيعية" المتواجدة فى سوريا الآن  للعب دورٍ مستقبليٍ في أفغانستان ، والمشاركة فى أي تسوية سياسية !!
والسؤال الآن : ماذا قدمت أمريكا لأفغانستان بعد عقدين من محاربة الإرهاب المزعوم  سوى الدمار والخراب والدماء والثارات التي لن تندمل؟!!