بسم الله الرحمن الرحيم

دعوتنا ربانية متجردة

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه،،،،

إخواننا وأخواتنا في جماعة الإخوان المسلمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يدور الزمان دورته ، وتتعاقب الليالي والأيام وتبدأ العشر الأول من شهر ذي الحجة ( خير أيام العام ) مصطحبة معها نسائم الحج إلى بيت الله الحرام ، فكل عام وانتم جميعا بكل خير .

وعندما يُظلنا شهرٌ ذي الحجة المبارك فإننا نذكر له صفتين، فهو من الأشهر الحُرُم، وهو شهر الحج إلى بيت الله الحرام .. الركن الخامس من الإسلام .

وان كانت أفضل الليالي عشرٌ من رمضان، فأفضل الأيام عشرٌ من ذي الحجة.

وان كانت أفضل الليالى ليلةُ القدر، فان أفضل الأيام يومُ عرفة.

فالله تعالى أقسم بتلك الايام فقال ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ (الفجر 2،1)

"وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " (الأعراف 142).

 

فأحيوا في تلك الأيام والليالي أيها الإخوان سنةَ التكبير والتهليل.. فالله تعالى يقول ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة 185)..

وأكثروا فيها من الاعمال الصالحة .. قال رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام- يعني أيام العشر- قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) (رواه البخاري).

ولا يفوتكم فيها صيام يوم عرفة .. تروى بعض زوجاته (كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر)، ويخبرنا رسول الله في حديث آخر فيقول (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) أخرجه مسلم.

تلك كانت مقدمة لابد منها قبل أن ندخل في صلب رسالتنا الموجهة إلى حضراتكم ...

وبعد،،،

قال تعالي : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"..{الاحزاب 70-71 }

إن دعوة ربانية متجردة، أخلص علي دربها المخلصون، وضحي في سبيلها السابقون واللاحقون، لن تنفك عراها ولن ينفرط عقدها، لأنها انطلقت لله وفي الله، لذلك لن ينال منها كيد الكائدين، أو يوقف مدها تجبر الظالمين، أو يطفئ نورها حقد الحاقدين "يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ" {الصف:8}

وسنة الله في الدعوات، أنه مهما تنوعت علي دربها المحن وكثرت حولها الفتن، فهي في رعاية الله وتحت كنفه، وماعلينا إلا بذل الجهود واستفراغ الطاقات، ثم انتظار الفتوحات .

إن جماعتنا صدى للدعوة الأولي التي أحاطت بالإسلام من جميع جوانبه، فهي "دعوة نزيهة، قد تسامت في نزاهتها حتي جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض، ومضت قدما في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين اليه".

جماعتنا كانت منذ نشأتها معقداً للآمال وسنداَ للتحرير في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه، حيث أحيا رجالها منهج السنة والجماعة في الفكر والحركة، وأحيوا مفاهيم الجهاد بالكلمة والمال والنفس، وقاوموا الظلم والاستبداد والإحتلال، وحافظوا على هوية الأمة، وقاوموا موجات التغريب والانحلال، ودافعوا مع المخلصين من أبناء الأمة عن حدود الأوطان والمقدسات، وكانوا- وسيظلون بحول الله تعالي - في طلائع المطالبين بالحرية للشعوب.

جماعتنا أيضا خطت الخطوة الأولي في بناء الدولة وتقديم النموذج المستقل ذي الملامح الواضحة التي تقوم علي استقلال القرار الوطني وإطلاق الحريات، فكان الهدف الرئيس للانقلاب هو القضاء على المشروع الإسلامي الذي التف حوله غالبية المصريين ورأوا فيه تجسيدا لهويتهم وطوق نجاة لهم وانطلاقا لأمتهم لتكون فاعلة في السياسة الدولية ومستقلة في قرارها ومستثمرة لثرواتها، فقام المستعمرون الجدد والقدامي بشن الحرب علي جماعة الإخوان المسلمين، مستعينين بوكلائهم وأصحاب المصالح والمشاريع الخاصة، واتبعوا في ذلك كل سبيل وسلكوا كل طريق: بالتشويه والتجريم والتشكيك والتغييب والافتراء وإثارة الشبهات والرمي بالباطل والتعويق والتعطيل والاغتيال والإعدام والمصادرة وتقليص فرص الحياة الكريمة والإجتثاث والإبادة.

إن ما تمر به دعوتنا الآن هو من سنن الدعوات، لذلك من المهم جدا أن ننتبه جميعا أيها الأحباب إلى محاولات إشاعة روح الإحباط والتشكيك في مؤسسات الجماعة، وصولا إلى إثارة الجدل حول جدوى وجود الجماعة نفسها في الوقت الحالي.

وأخطر ما في الأمر هو السعي لتقسيم الجماعة إلى فرق ومجموعات كل منها يُخَطِّئ الأخرى ويشكك في منطلقاتها ولا يطمئن إلى بنائها الفكري ولا يلتمس الأعذار لإخوانه، وهو ما يهدم الأساس الذي قامت عليه الجماعة من وحدة الفكر ووحدة التنظيم بعد أن تضمحل في النفوس وحدة الروح والغاية.

إخواننا وأخواتنا

إن جماعة الإخوان المسلمين الأصل فيها أنها دعوة ربانية لديها مشروع إسلامي لإقامة الدين في واقع الحياة، وتهدف إلى إحياء ما اندثر من معالم الإسلام لأننا نفهمه نظاماً شاملاً، كما أن من سمات دعوتنا التوازن في الأخذ بجوانب الشمول.

وهي جماعة مؤسسية لا تقدس الأفراد ولا تتمحور حول الأشخاص، وكل أعمالها وتجاربها تخضع للتقييم والتصويب، فما كان إيجابيا أخذنا به وقويناه وما كان سلبيا تجنبناه، مع مراعاة متغيرات العصر في كل الأحوال، وإن الأمر أمر دين فلنستقم كما أمرنا، وإن الطريق شاقة .. فصبر جميل، فالطريق الى الله يحسب بالخطو إلى الأمام.

ونقولها وقلناها بوضوح في كل مراحل الدعوة: لن نخضع لهيمنة الكبراء و ذوي الجاه و النفوذ ولن تمتد أيدينا إلى أفراد أو جهات، ولن نستجديَ حواراً مع الظالمين علي حساب ثوابتنا وحرية شعبنا وحقوق الشهداء والمعتقلين والمصابين والمطاردين والمضارين.

إخواننا وأخواتنا:

لو كنتم فشلة ما اهتم بكم أحد ولا حاربتكم نظم وما انقلب عليكم الظالمون ولا رمتكم الدنيا عن قوس واحدة، ولا أُنفقت المليارات لحربكم وتشويهكم، ولا عُقدت الإجتماعات ولا حيكت المؤامرات، ولا دُعمت الواجهات البراقة ولا مُولت الدعوات الجذابة.. ولكن هذا ما تواصى به "قوم طاغون".. لكننا قوم يعملون على تحقيق الهدف ما امتد بهم الأجل وأمكنهم العمل، حتى إذا حيل بينهم وبينه وانتهت بهم تلك الفترة القصيرة فترة الحياة في هذه الدنيا خلفهم من قومهم غيرهم يعملون على منهاجهم، ويبدؤون من حيث انتهى أولئك، لا يقطعون ما وصلوا، ولا يهدمون ما بنوا، ولا ينقضون ما أسسوا وشادوا، ولا يخربون ما عمروا .. فإما زادوا عمل أسلافهم تحسينا، أو مكنوا له تمكينا، وإما تبعوهم على آثارهم فزادوا البناء طبقة وساروا بالأمة شوطا إلى الغاية حيث يصلون بها إلى ما تبتغي، أو ينصرفون راشدين ويخلفهم غيرهم"

لا مجال لليأس في هذه الدعوة، وإنما نثق في وعد الله بالنصر، مع الأخذ بالأسباب والتعلم من دروس الواقع القريب والماضي البعيد، وحسن التوكل على الله والتماس توفيقه تعالى.

فلا يتوقف أحدكم محتقراً خطوة، ولايتوقف منتظراً وثبة، فقليل دائم خير من كثير منقطع رغم وعثاء السفر ووعورة الطريق.

"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" {يوسف:21}، وما النصر إلا مع الصبر، وما الفرج إلا مع الكرب، "فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا. إنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا" {الشرح:5 و6 }.

سلام على الإخوان في العالمين .. سلام على الثابتين الصابرين، الذين رفعوا راية النبي الأمين .. فكانوا بررة مجاهدين.. والحمد لله رب العالمين.

اللجنة القائمة بعمل فضيلة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون"
الخميس غرة ذي الحجة ١٤٤٣هـ الموافق ٣٠ يونيو ٢٠٢٢ م