نقف هنا مع كلمات نيرات للأستاذ الشهيد سيد قطب – رحمه الله – أكد فيها على دور التربية في بناء الجيل، وقد كانت كلماته نتيجة مشاعر سيطرت عليه وهو يشاهد آثار هذه التربية في أحد مؤتمرات طلاب الإخوان المسلمين.

ففي المؤتمر الختامي لطلاب الإخوان المسلمين بالمركز العام وقف الأستاذ سيد قطب بعدما رأى هذه الجموع الحاشدة من الطلاب وقال:

"ما أثر التربية الإسلامية في تكوين الشباب؟ هو أنتم أثرها، هو أن تُحيل ذلك الحطام الآدمي إلى شباب مثلكم، شباب متماسك قوي خَشِن مكافح مؤمن، باع نفسه لله، فأنتم المدلول الحي للتربية الإسلامية، أنتم كلمة الله لأن المسلم الحي هو كلمة الله في الأرض، لنرجع عشرين عامًا إلى الوراء لنرى كيف كان الشباب مائعًا مستهترًا، لقد شهدت شبابًّا يُحمِّر خديه وشفتيه سنة 1920، فمن هذا الحطام الآدمي كوَّن الإسلام أبطالًا هم أنتم".

لقد استطاعت التربية الإسلامية أن تخلق جيلًا لا يستحي من الإسلام كما كان يستحي الجيل الذي قبله، واستطاعت التربية الإسلامية في جملةً واحدةً أن تفسد على الاستعمار ما تعب في عمله طويلًا، وقالت لدنلوب: من اليوم لن تستطيعوا استعبادنا».

وحول آثار التربية عند الإخوان المسلمين في بناء الجيل والتأثير في قطاعات الطلاب والشباب، إليكم هذه الشهادة من المؤرخ الكبير الدكتور أحمد شلبي – رحمه الله – صاحب موسوعة التاريخ الإسلامي، وهي شهادة من أهل الذكر والاختصاص يُدلي بها مؤرخ متخصص وفي نفس الوقت مراقب للأحداث ومعايش للمجتمع فيقول:

«إن هذه الجماعة لعبت دورًا إسلاميًّا رائعًا في حياة الصبيان والشباب والرجال، وغرست أخلاق الإسلام في الملايين، وجعلت الانتساب للإسلام مفخرةً يعتز بها الكثيرون، ودفعت إلى المكاتب والمصانع والوظائف جماعاتٍ تعرف اللهَ وتخافه، وبالتالي تنتج بجد، وتعمل دون رقيب من الناس ولا تمتد لها الشبهات ولا يمسها الانحراف، وكانت كلمة (من الإخوان المسلمين) طابعًا للتنزه عن الصغائر، والبُعد عن الرشوة وعن الإهمال، والحرص على أداء الواجب، وحيثما رأيت الآن رجلًا يبرز به هذا الطابع فاعرف أنه غالبًا كان منتسبًا إلى جماعة الإخوان المسلمين». (موسوعة التاريخ الإسلامي: ج 9).

خصائص تربية الجماعة

" يعرض قطب لجملة من الخصائص، التي يرى ضرورة توافرها في المنهاج الذي تتربى عليه الجماعة المسلمة وتنسجم هذه الخصائص مع طبيعة المنهاج التربوي الإسلامي من جانب، ومن جانب آخر تتناسب مع الأدوار المناطة بهذه الجماعة .فالمنهاج الذي تتربى عليه الجماعة المسلمة، شامل يهتم ببناء التصور الإيماني المتميز عن التصورات المنحرفة في المجتمع.

وقد استهدفت التربية الربانية للجماعة المسلمة، الجانب الاجتماعي من خلال اجتثاث تقاليد المجتمع الجاهلية وترسيخ الآداب الاجتماعية لدى أفرادها وكذلك تربية مشاعرهم وعواطفهم وأخلاقهم  . وتربية الجماعة المسلمة – كما يؤكد قطب – يجب ألا تكون منعزلة عن واقع المجتمع ومعترك الأحداث، باستثناء العزلة الشعورية بالتصور الإيماني.

وحينما تكون تربية الجماعة، متصلة بواقع المجتمع ومتفاعلة مع أحداثه، فإن ذلك يترتب عليه أن تكون تربيتها متجددة متطورة تستجيب لمتطلبات التغير الحادث في بنية المجتمع الاجتماعية والثقافية ومن ثم تصبح أكثر تأثيراً وحيوية وقدرة على أداء وظائفها المنشودة .

ولكون الطبيعة البشرية، في حاجة دوماً إلى علاج ما يطرأ عليها من الضعف والحرص والشح والتقصير والغضب - مهما بلغ مجموعها من التفوق في الإيمان والتربية - كانت حاجة الجماعة المسلمة إلى تربية دائمة.

أهداف تربية الجماعة المسلمة

يحدد " سيد قطب " هدفين أساسيين لتربية الجماعة المسلمة، هدف قريب يتمثل في إعدادها لأداء دورها التربوي المتمثل في بناء الفرد المسلم، الذي لا يُبنى بعيداً عن الجماعة  وهذا ما ينسجم مع طبيعة التربية الإسلامية، فهي عملية اجتماعية لا تنبت من فراغ، لكون الفرد المسلم يعيش في إطار اجتماعي معين، يؤثر فيه ويتأثر به وترتبط مطالبة وحاجاته بديناميات هذا النظام  .ويندرج تحت هذا الدور، بناء البيت المسلم وحمايته لكونه المحضن الذي تتم فيه الوقاية من النار وهو عبارة عن قلعة يعيش فيها الرجل المسلم والمرأة المسلمة ومن ثم لا ينبغي أن يُترك ليُهاجَم من قبل العناصر المفسدة والجائرة.

ومن الطبيعي أن المحافظة على البيت المسلم نقياً ملتزماً، يعد عاملاً قوياً من عوامل نجاح دوره في تربية النشء وحينما تكون الجماعة المسلمة مطالبة برعايته، فإن ذلك يعكس درجة عالية من التعاون والتساند والتكامل بين محاضن التربية المسئولة عن إعداد الجيل المسلم.وأما الهدف البعيد المرجو من وراء تربية الجماعة المسلمة –كما ذهب قطب – فهو إعدادها لقيادة البشرية بكل ضعفها ونقصها وشهواتها ونزواتها وانحرافها – قيادة راشدة فاعلة.

ويفصح " سيد قطب " عن هذا الهدف أكثر من خلال قوله : لقد جاء هذا القرآن ليربي أمة ويقيم لها نظاماً تحمله إلى مشارق الأرض ومغاربها وتعلم به البشرية وفق المنهاج الكامل  ولكي تستطيع الجماعة المسلمة، أن تقود البشرية كافة، كان لا بد من تميزها وتفوقها التربوي والذي لا يتحقق إلا من خلال تربية أصيلة مستمدة من كتاب الله الكريم، فهو مصدر المعرفة والتربية والتوجيه للجماعة المسلمة، كذلك من الضروري توافر المربي القدوة الهين اللين المتواضع الذي يكون له منزلة في نفوس من يربيهم.

وهكذا يبدو أن سيد قطب يطرح مفهومـاً جديداً – يمكن أن يُطلق عليه، التربية العالمية في مقابل مفهوم عولمة التربية الذي يطرح اليوم بقوة وكأنه يريد أن يقول لنا : إن النمط التربوي الإسلامي، هو النمط الذي يستحق التعميم لكونه لا يصطدم مع الفطرة الإنسانية كما أنه يحمل بين طياته كل أسباب الهداية والسعادة والتحضر والرقي للفرد والمجتمع والناس جميعاً كما يفهم من خلال قوله عز وجل : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " (الأنبياء، آية : 107) .وجاء في محكم التنزيل : " أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ " (يونس، آية : 35) .

 

( كتاب معالم الفكر التربوي عند سيد قطب – د. محمود خليل أبو دوف )