هذا الدعاء ورد فى وصف المؤمنين، وتحديدًا فى وصف الفئة التي فاتها أن تلحق بالمهاجرين وتنال مرتبتهم، وفاتهم كذلك أن ينالوا شرف الانتساب للأنصار، ونحن بحمد الله وعظيم فضله- من هذه الفئة، أو نحن من الذين فتح الله لهم هذا الباب، على شرفه وقدره، لنكون من هذه الفئة، فنلحق بالمهاجرين والأنصار، وذلك أمر لو تعلمون عظيم.

ورد هذا الدعاء في جزء من آية في سورة الحشر، فبعد أن ذكر الله- سبحانه- المهاجرين وفضلهم، ذكر الأنصار وفضلهم، ثم ثلث بمن جاء بعدهم، ممن تأخر زمانه، وتغير مكانه، ولم يقدر له هجرة مع رسوله- صلى الله عليه وسلم- ولم يكن من أنصاره الذين آووه.

هذه الفئة هم عموم المسلمين إلى قيام الساعة، وهم مدعوون جميعهم لينالوا هذا الشرف العظيم، ويحرزوا تلكم الدرجة العالية، فلا يحل لهم إلا أن يجاهدوا فى الله حق جهاده، ويسعوا صادقين، فيتحقق لهم وعد الله، ومن أوفى بعهده من الله! {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} 

يقول السعدى- رحمه الله-: وحسب من بعدهم من الفضل أن يسير خلفهم، ويأتم بهداهم، ولهذا ذكر الله من اللاحقين من هو مؤتم بهم وسائر خلفهم فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} من بعد المهاجرين والأنصار، يَقُولُونَ على وجه النصح لأنفسهم ولسائر المؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}
وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين، السابقين من الصحابة، ومن قبلهم ومن بعدهم، وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحب بعضهم بعضا.
ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره الذي إذا انتفى ثبت ضده، وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح، ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين.
فوصف الله من بعد الصحابة بالإيمان؛ لأن قولهم: {سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} دليل على المشاركة في الإيمان، وأنهم تابعون للصحابة في عقائد الإيمان وأصوله، وهم أهل السنة والجماعة، الذين لا يصدق هذا الوصف التام إلا عليهم، ووصفهم بالإقرار بالذنوب والاستغفار منها، واستغفار بعضهم لبعض، واجتهادهم في إزالة الغل والحقد عن قلوبهم لإخوانهم المؤمنين، لأن دعاءهم بذلك مستلزم لما ذكرنا، ومتضمن لمحبة بعضهم بعضا، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه وأن ينصح له حاضرا وغائبا، حيا وميتا، ودلت الآية الكريمة على أن هذا من جملة حقوق المؤمنين بعضهم لبعض، ثم ختموا دعاءهم باسمين كريمين، دالين على كمال رحمة الله وشدة رأفته وإحسانه بهم، الذي من جملته، بل من أجله، توفيقهم للقيام بحقوق الله وحقوق عباده. 
فالمهاجرون والأنصار وهذه الفئة الموصوفة في هذه الآية هم أصناف هذه الأمة، وهم المستحقون للفيء الذي مصرفه راجع إلى مصالح الإسلام، وهؤلاء أهله الذين هم أهله، جعلنا الله منهم، بمنه وكرمه. انتهى

والمفهوم من هذه الآية الكريمة أن الغل للمؤمنين جريمة كبرى، وذنب عظيم، يسأل المؤمن ربه أن يزيله من قلبه، ويجتهد هو بنفسه أن ينال ذلك، فوجود الغل أو مقدماته واقع لا ينكره إلا مثاليّ حالم بعيد عن فهم النفس البشرية وظلماتها، الغل مرض مثل سائر أمراض القلب، فهو حقيقة يجب التعامل معها، وقد قال ابن منظور في تعريف الغل: هو إمساك العداوة في القلب، والتربص لفرصتها.

ومن العجيب أن الله تعالى يصف بعض عباده الذين يحبهم فيقول: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ} هكذا، يحمل بعض المؤمنين غلًا فى صدره، ثم يمن الله عليه فينزع غله، ويهبه جنته.

فالمؤمن يجاهد نفسه، ويبذل وسعه، من غير أن يتجمل ولا يتنكر، بعضنا يحمل الغل لبعض المؤمنين، ولن نفوز إلا بأن نصدق الله في أخوتنا وحبنا لأهل الإيمان، مهما كان اختلافنا، ومهما كانت آراؤنا، فتلك من صفات المؤمنين، ولا خير فيمن فقدها.

لن نفوز حتى نتعالى على الشيطان ومكائده، وحتى ننزل المؤمنين في قلوبنا منزلتهم التى وهبهم الله، ونؤدى حقوقهم التي فرضها الله، ونرعى ودهم الذى يحبه الله، فالأمر كله بين العبد وربه سبحانه وتعالى.