لم يتوقف مسار سعر الدولار التصاعدي في مصر رغم الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي وسماح البنك المركزي بخفض قيمة العملة المحلية بنسبة تزيد عن 50% في فترة تقل عن العام، كما لم تحل بعد أزمة توفير النقد الأجنبي، رغم ارتفاع قيمته، للمستوردين، ما أدى إلى استمرار ارتفاع أسعار السلع المستوردة في ظل شح الواردات.

حالة الضبابية تلك التي تمر بها السوق المصرية حول موعد استقرار أسعار سوق الصرف الأجنبي، رغم التعويم الثالث للجنيه الشهر الماضي قبل اتفاق قرض الصندوق، كانت لها تداعياتها وأسبابها التي أكدت أن القروض من صندوق النقد والدائنين الدوليين والإقليميين مسكنات وقتية وليست حلا دائما للأزمة، وفق مراقبين.

أسباب مزمنة 

ترتبط أزمة الدولار بشكل رئيسي في مصر بعاملين رئيسيين، وهما ثبات أو قلة الموارد الدولارية، وارتفاع قيمة المستحقات المطلوبة لسداد القروض وفوائدها بشكل كبير.

بالنسبة للموارد الدولارية فهي ثابتة تقريبا في مصر من خلال موارد محددة، وهي تحويلات العاملين في الخارج التي وصلت إلى 31.9 مليار دولار خلال العام المالي 2021-2022، والتي ترتبط بشكل كبير بالأوضاع الاقتصادية للمصريين في الخارج والدول التي يوجدون بها.

أما الرافد الثاني فهو الصادرات التي بلغت نحو 27.5 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بمتوسط نحو 3 مليارات دولار شهريا، ويُتوقع أن تصل إلى 36 مليار دولار بنهاية العام، وارتبطت الزيادة فيها بشكل كبير بارتفاع الأسعار عالميا وزيادة صادرات الغاز.

ووفق أرقام رسمية، فقد بلغت قيمة الصادرات غير البترولية 32.5 مليار دولار خلال عام 2021 بينما بلغت قيمة الصادرات البترولية والكهرباء 11.1 مليار دولار، بإجمالي 43.6 مليار دولار.

وتمثل السياحة الرافد الثالث للعملة الصعبة والتي بلغت عوائدها 10.7 مليارات دولار في العام المالي الماضي، وهي أقل من العام 2010 حين بلغت 12.5 مليار دولار.

بينما تمثل إيرادات قناة السويس الرافد الرابع بنحو 7 مليارات دولار عام 2021/ 2022، يدخل منها إلى الميزانية أقل من ذلك، وفقا للأرقام الرسمية.

وأخيرا، رافد بيع الأصول، حيث تستهدف مصر جمع 40 مليار دولار خلال 4 سنوات، إضافة إلى المنح الدولية والاستثمارات الأجنبية والأموال الساخنة، ووصلت إلى نحو 8.9 مليارات دولار، والقروض، ووصلت الأخيرة إلى نحو 155مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران الماضي، وفقا لأحدث بيانات متاحة.

وبذلك، يبلغ إجمالي إيرادات النقد الأجنبي من دون القروض نحو 85 مليار دولار لدولة بحجم مصر، بينما يبلغ احتياطي مصر من النقد الأجنبي، الذي يمول بشكل رئيسي الواردات ويحافظ على استقرار صرف العملة المحلية، نحو 33.4 مليار دولار.

ضغوط على النقد الأجنبي  

مقابل إيرادات النقد الأجنبي التي لا تزيد عن 85 مليار دولار، من دون القروض، فإن هناك رافدين أساسيين يتسرب إليهما الدولار في مصر، وهما الواردات وسداد أقساط وفوائد القروض.

بحسب أرقام رسمية، فقد بلغت قيمة الواردات غير البترولية 79.2 مليار دولار عام 2021 والواردات البترولية والكهرباء 10.0 مليارات دولار، بإجمالي واردات بقيمة 89.2 مليار دولار.

أما القروض الأجنبية، فإن قيمة الأقساط والفوائد المستحقة ورد الأموال الساخنة تبلغ نحو 43.6 مليار دولار خلال عام، وفق تقديرات، بينما قدر مصرف "دويتشه بنك" الألماني ما تحتاجه مصر لإعادة تمويل ديونها مستحقة السداد، ودفع فوائد الديون وتمويل عجز الحساب الجاري، بنحو 28 مليار دولار حتى نهاية العام المقبل 2023.

أما وكالة فيتش للتصنيف الائتماني فقد قدرت، في تقرير حديث لها، ما تحتاجه مصر، لسد عجز الحساب الجاري المتضخم وسداد ديون خارجية، بنحو 33.9 مليار دولار حتى منتصف 2025.

ووفقا لتقديرات الموازنة المصرية الحالية 2022-2023، فإن مستحقات الفوائد وسداد القروض بلغت نحو 1.7 تريليون جنيه في مشروع الموازنة، وهو ما يعادل 102.5% من إيرادات الموازنة، ويساوي 133% من إيرادات الضرائب خلال السنة المالية الجديدة. ووُضعت الموازنة عندما كان سعر الدولار نحو 18.7 جنيها مصريا. أما الآن فسعره يتجاوز 24.5 جنيها.

وقالت وكالة "رويترز"، في تقرير حديث لها، إن خبراء اقتصاديين قدروا أن الوضع المالي لمصر لا يزال محفوفاً بالمخاطر، رغم تأكيد وكالة بلومبيرج قبل أيام أن مصر خارج دائرة الإفلاس، وذلك مع توقع امتصاص مدفوعات فوائد الدين العام أكثر من 40% من إيرادات الحكومة العام المقبل، واستمرار نقص العملة الأجنبية في الإضرار بالاقتصاد.

ضغوط على الجنيه

أدت هذه العوامل مجتمعة إلى الضغط على الجنيه المصري رغم قرض الصندوق الأخير بنحو 3 مليارات دولار، ومليار دولار من صندوق الاستدامة التابع له، و5 مليارات دولار من مؤسسات دولية أخرى.

ارتفع سعر صرف الدولار في البنك المركزي المصري، الأحد، إلى 24.50 جنيها للشراء، و24.57 للبيع، بينما ارتفع سعره في السوق السوداء "الموازية" إلى ما بين 26 و26.5 جنيها.

ولم يقتصر الأمر فقط على ارتفاع سعر صرف الدولار وعودة السوق السوداء، رغم التعويم الثالث للجنيه الذي فقد أكثر من 55% من قيمته العام الحالي، بل امتد أيضا إلى شح العملة الأجنبية، ما اضطر التجار الراغبين في الاستيراد إلى اللجوء للسوق السوداء في ظل موارد محدودة للدولار.

وقدر تجار ما يوفره البنك من دولارات للاستيراد من الخارج بنحو 10% من الرقم المعلن من البنك المركزي سقفاً أعلى لتوفيره للمستوردين للعملية الواحدة، وهو 500 ألف دولار، ما اضطر التجار إلى تعويض الباقي عبر اللجوء إلى السوق السوداء.

ووفقا لتقرير "رويترز" الحديث، فإن هناك توقعات بارتفاع سعر الدولار إلى 28 جنيها في البنوك قبل نهاية العام الحالي، في مؤشر إلى أنه لا أفق قريبا لحل أزمة العملة في مصر رغم القروض الخارجية والوعود الاستثمارية وبيع أصول الدولة.