ندى جمال
لم تعد الألعاب الإلكترونية مجرد لعب أو تسلية، بعد أن تطورت وتعقدت بشكل كبير وأصبحت تتحدى عقولنا بطرق غير مسبوقة، لقد ولت الأيام التي كان يُنظر فيها إلى الألعاب على أنها مجرد ترفيه للأطفال أو هوايات طائشة للمراهقين والكبار، فالألعاب الإلكترونية اليوم تنتظم مجموعة واسعة من التنويعات والتعقيدات، تتراوح بين مغامرات مثيرة في عالم مفتوح وتجارب تنافسية كثيرة ومتعددة يقوم بها اللاعبون، ألعابنا اليوم تتطلب تفكيراً إستراتيجياً ومهارات لحل المشكلات وقدرات متميزة على سرعة اتخاذ القرار، وعلاوة على ذلك، تمتلئ العديد من الألعاب الإلكترونية الحديثة بروايات مقنعة ومرئيات تخطف الألباب، تنافس حتى أكثر الأفلام أو الروايات تطوراً، والأهم من ذلك كله، أن اللاعبين، مع ظهور تقنية الواقع الافتراضي يمكنهم الآن الدخول إلى عوالم رقمية محققة بالكامل واستكشافها بشكل مباشر كما لم يحدث من قبل، وبالتالي من الواضح أن الألعاب الإلكترونية قد تجاوزت أصولها المتواضعة لتصبح وسيلة لا تقدر بثمن للتعبير الفني وإثارة التحفيز الفكري.
وهكذا أضحت ألعاب الفيديو ظاهرة ثقافية تؤثر في طريقة تفكير الناس وتصرفهم وتفاعلهم، ويمكن لألعاب الفيديو أن تعيد صياغة المرء ثقافيًا وحضاريًا وأخلاقيًا من خلال تعريضه لوجهات نظر وقيم ومعضلات مختلفة، فبعض ألعاب الفيديو، مثل ألعاب تمثيل الأدوار، تسمح للاعبين باتخاذ قرارات أخلاقية تؤثر على نتيجة القصة وعلى الشخصيات الأخرى، وهذه الاختيارات يمكن أن تتحدى اللاعبين للتفكير في آدابهم وأخلاقهم، وعواقب أفعالهم، ويمكن لألعاب الفيديو أيضًا أن تعزز التنشئة الاجتماعية والتواصل بين اللاعبين الذين يتشاركون في الاهتمامات والعواطف، ومؤكد أن لألعاب الفيديو آثاراً سلبية على ثقافة الفرد وحضارته وأخلاقه، من خلال التهوين من استخدام العنف والعدوانية والترويج للقوالب النمطية عن الشعوب والمجتمعات وربما المهن.
فقد أصبح من المتيقّن، كما تقول الباحثة الجزائرية مريم قويدر، في دراسة بعنوان «دراسة وصفية تحليلية على عينة من الأطفال المتمدرسين بالجزائر العاصمة»، أن ألعاب الفيديو «ليست تسلية بريئة، بل وسيلة إعلامية تتضمن رسائل مُشفرة ومُرمّزة يهدف المُرسل من خلالها إلى تحقيق أهداف وغايات ثقافية وسياسية ودينية، فقواعد اللعبة تفرض على اللاعب تقمص الشخصية المفروضة عليه والانغماس في واقع معين من الحرب الفكرية أو العسكرية أو الثقافية أو الأيديولوجية، كما تكمن الخطورة أيضاً في إمكانية تقريب اللاعب من الخيال والواقع الى درجة أنه يحاول تطبيق مضامين هذه الألعاب في حياته اليومية؛ مما يعني تنميط السلوك على النحو الذي يرغب فيه صانعو هذه الألعاب».
الترويج لأخلاق الرأسمالية
قد يقول قائل: إن ألعاب الفيديو ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها، ولكنها تعتمد على كيفية تصميمها واستخدامها وتفسيرها من قبل اللاعبين والمجتمع، وهذا كلام منطقي، لا شك، بشرط أن يقوم كل مجتمع بابتكار ما يناسبه من تلك الألعاب التي تعلي من قيمه وتحترم دينه، وأخلاقه، وعاداته، وتقاليده، فالمشكلة لا تكمن في تلك الألعاب، كألعاب، ولكنها تكمن في الفلسفة التي تختبئ وراءها، وفي الأخلاق والقيم التي تصر على ترويجها.
فإذا كانت الأخلاق في النظام الرأسمالي المبتكر والمصنع والمطور لألعاب الفيديو أخلاقاً نسبية ذاتية، ليست ثابتة، بل متغيرة، فماذا يمكن للرأسمالية أن تقدم لنا من خلال ألعاب تنتجها غير أخلاقها الذاتية النسبية غير الثابتة؟ وهذا بالضبط ما يحدث، حيث تؤثر الرأسمالية على الرسائل والمعضلات الأخلاقية التي تقدمها ألعاب الفيديو، فضلاً عن التطور الأخلاقي وسلوك اللاعبين والمجتمع.
فألعاب الفيديو تعزز النسبية الأخلاقية الرأسمالية من خلال:
– السماح للاعبين باتخاذ خيارات أخلاقية تؤثر على نتيجة اللعبة والشخصيات، دون فرض إطار أخلاقي واضح أو ثابت.
– تعريض اللاعبين لثقافات وقيم ووجهات نظر مختلفة، وتحديهم بغرض التشكيك في افتراضاتهم وتفضيلاتهم الأخلاقية.
– التأثير على تفكير اللاعبين الأخلاقي والتعاطف والسلوك الاجتماعي الإيجابي.
– يمكن أن تعكس ألعاب الفيديو أيضًا النسبية الأخلاقية للمجتمع، حيث تم تصميمها وإنتاجها واستهلاكها من قبل أشخاص لديهم معتقداتهم الأخلاقية وتحيزاتهم وأجنداتهم.
– ثقافة الاستهلاك والاستغلال والعنف مثل الألعاب التي تحمل موضوع «الهيب هوب»، التي تخفي القضايا السياسية والاجتماعية الحقيقية التي تواجهها المجتمعات المهمشة من أجل البحث عن المتعة والربح.
الترويج للعنصرية وتفوق الرجل الأبيض
الكثير من ألعاب الفيديو تروج للعنصرية وتفوق الرجل الأبيض من خلال إبراز شخصيات ذكور بيض كأبطال وقادة ونماذج يحتذى بها، مع تهميش، أو وضع قوالب نمطية، أو شيطنة، أو استبعاد الشخصيات من الأعراق والأجناس والخلفيات الأخرى.
وهناك ألعاب فيديو تروج للعنصرية وتفوق الرجل الأبيض من خلال السماح للاعبين بتبني الهويات والأيديولوجيات والسلوكيات العنصرية، مثل الانضمام إلى مجموعات تفوق العرق الأبيض، أو استخدام الإهانات العنصرية، أو مهاجمة أو قتل الأشخاص الملونين، أو التعبير عن الكراهية والتعصب.
ويتم الترويج للعنصرية وتفوق الرجل الأبيض من خلال التأثير على مواقف اللاعبين ومعتقداتهم وعواطفهم، مثل زيادة تحيزهم الضمني والصريح، والتحيز والعدوان ضد الأشخاص الملونين، أو الحد من التعاطف معهم.
وهذه أمثلة لبعض ألعاب الفيديو العنصرية:
– لعبة «Call of Duty: Modern Warfare 2» (2009) تروج للعنصرية وتفوق الرجل الأبيض لتضمنها مهمة مثيرة يشارك اللاعب من خلالها في مذبحة للمدنيين في مطار روسي.
– «Resident Evil 5» (2009)، الذي يصور بطل الرواية رجلاً أبيض يقتل جحافل من الأفارقة المصابين بعدوى ما.
– «Grand Theft Auto V» (2013)، تصور فيها الشخصيات السوداء واللاتينية على أنهم مجرمون وعصابات وبلطجية.
– «Far Cry 4» (2014) تستخدم شخصية الرجل الأبيض كمنقذ لبلد آسيوي خيالي.
الترويج للعنف
تهتم الولايات المتحدة، زعيمة العالم الرأسمالي، اهتماماً خاصاً بألعاب الفيديو، وتروج للألعاب التي تُعلي من القيم الرأسمالية، وخصوصاً تلك التي تمارس وتعلم العنف.
ولعل استعراض بعض المفاسد التي تسببها ألعاب الفيديو العنيفة يلقي الضوء على السياسات غير المعلنة لقطب العالم الأقوى:
– يرتبط التعرض لألعاب الفيديو العنيفة بانخفاض التعاطف وقلة اللطف.
– ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة تؤدي إلى مزيد من العدوانية والتنمر.
– محاكاة العنف مثل إطلاق النار والقتال اليدوي في ألعاب الفيديو يمكن أن يتسبب في حدوث سلوك عنيف في الحياة الواقعية، وقد لعب العديد من مرتكبي عمليات إطلاق النار الجماعية ألعاب فيديو عنيفة.”
– ألعاب الفيديو العنيفة تزيل حساسية اللاعبين للعنف الواقعي.
– من خلال إشراك الشخصيات العنيفة في ألعاب الفيديو، يكون الأطفال أكثر عرضة لتقليد سلوكيات تلك الشخصيات ويواجهون صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال.
– ألعاب الفيديو العنيفة تعزز الميل لاستخدام القتال كوسيلة لحل النزاعات.
– يستخدم الجيش الأمريكي ألعاب الفيديو العنيفة لتدريب الجنود على القتل.
نشر وتعزيز المقامرة
ألعاب الفيديو التي تحتوي على عناصر المقامرة شائعة جدًا، ويمكن أن تعرض اللاعبين لأخطار ومكافآت المقامرة، مثل الربح، أو خسارة الأموال، أو العناصر، أو الرموز.
يمكن لألعاب الفيديو أيضًا تسهيل الانتقال من الألعاب عبر الإنترنت إلى المقامرة عبر الإنترنت، حيث تسمح بعض الألعاب للاعبين بالمراهنة بأموال حقيقية أو استبدال العملات الافتراضية بأموال حقيقية.
وكذلك تتيح ألعاب الفيديو استخدام حيل المقامرة لجذب كبار المنفقين والاحتفاظ بهم، مثل تقديم المكافآت والجوائز والحوافز الحصرية، فضلاً عن استغلال التحيزات النفسية ونقاط الضعف.
لا شك أن ألعاب الفيديو تروج أيضاً للفوضى الجنسية الغربية، التي لا تشمل فقط ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، ولكنها تشمل كل أنواع الشذوذ التي تبدأ بالزواج من نفس الجنس، ولا تنتهي بممارسة الرذيلة مع الحيوانات.
ماذا تفعل الأسرة المسلمة الملتزمة في مواجهة هجمة الألعاب الإلكترونية الشرسة؟ ماذا تفعل وهي تمطَر بهذه الموبقات من كل مكان وفي كل وقت، والدول الإسلامية لا تفعل شيئاً، والبدائل أمامها قليلة أو معدومة؟
المصدر: المجتمع