في الكيان الصهيوني يكثر الكذب لا سيما من المسئولين لذلك يستخدمون هناك جهازا لـ"كشف الكذب"، أما في غزة فينتشر الصدق، الصدق مع الله ومع الناس ومع النفس، حتى وضعت غزةُ العالمَ كله في اختبارصعب لـ"كشف الصدق"، صدق احترام المبادئ وأداء الأمانة والقيام بالمسئولية.

فعلى أرض غزة تجري مآسي يشيب لها الولدان، وتستحق أن تقوم القيامة لأجلها، فهناك جيش صهيوني همجي يقتل بجنون، ويحارب بشراسة، ويمنع عن الضحايا الغذاء والماء والدواء، فمن لم يقتله بنار الحرب قتله بالتجويع ومنع العلاج، لا مراعاة لحرمة أطفال أو نساء أو مرضى، ولا احترام لقدسية مساجد أو مدارس ومستشفيات أو بيوت.

وبموازاة هذه الجرائم والشراسة غير المسبوقة، تجري جريمة أخرى لا تقل فداحة، وهي جريمة التجويع والتشريد في البرد وترك المصابين والجرحى يموتون بمنع العلاج والدواء عنهم.

أما الجريمة المخجلة والعار الذي يلف أعناق الإنسانية في هذه الأيام، فهي اكتفاء العالم بموقع المتفرج على كل هذه الجرائم، وغياب لأخلاق الفروسية والنُبل، وانعدام للرجولة والشهامة والمرؤة، ودونتدخل صادق يوقف الحرب ويمنع نزيف الدماء، وبات الكل يكتفي ببيانات باهتة ومواقف خجولة يعلمأنها لا تسمن ولا تغني من جوع، ولن تغير شيئا على أرض الواقع.

ما يضاعف من حجم المشكلة هو أن هذا الموقف المخزي للعرب وللغرب أيضا يشجع المجرم الصهيوني على ارتكاب مزيد من جرائمه، ولو أنه رأى موقفا حازما ووقفة قوية وجادة من بعض الدول أو الهيئاتأو حتى الأشخاص، لارتدع وأقلع عن غيه وتوقف عن إراقة الدماء الطاهرة.

اختبار صعب

ما يجري في غزة قد أدخل العالم كله في اختبار صعب وقاس جدا، يكشف حقيقة كل إنسان وكلجماعة وكل هيئة وكل دولة بلا تجمل أو ادعاء.

فمن كان يرفع راية حقوق الإنسان سيكون مطالبا بإثبات صدق دعواه باحترام الحقوق وسواسية البشر، هل سيقف صامتا أمام هذه الجرائم؟ أم سيكتفي بإصدار بيانات خجولة؟ أم سيتحرك بطريقة تتناسب مع خطورة الأمر؟ أم أنه يرى أن إنسان غزة أقل رتبة من الآخرين؟ الإجابة عن هذه الأسئلة سيعلنها الواقع فقط الذي يرقب فعل كل منظمة وكل إنسان وكل دولة.

ومن كان يرفع راية العمل للإسلام هو بالفعل قد دخل في واحد من أصعب الاختبارات التي يمر بهاهذا الجيل، هل سيخاف من قولة الحق؟ وهل سيعمل حسابا للمستبدين؟ ويخاف من الموت أو منسجن الطغاة؟ وهل يبرر لنفسه القعود وعدم الاستنفار؟ أم سيقوم بالواجب الذي يمليه عليه دينهومبادؤه التي كان ينادي بها طوال حياته؟ وهل سيقوم بنصرة إخوانه المؤمنين المحاصرين والمستضعفين، وينصرهم بماله ونفسه ولسانه؟

هذه الحرب تضع العلماء والدعاة أمام اختبار صدق كبير، هل سيعلنون الأحكام المتعلقة بهذه الحرببكل شفافية أم سيداهنون ويخافون؟ هل سيقول الخطباء والدعاة كلمة الحق وينصرون إخوتهم في الإسلام والإيمان ويوضحون أبعاد القضية ويرفعون مستوى الوعي في خطبهم ودروسهم؟ أمسيشغلون جمهورهم بقضايا فرعية وربما خلافية في هذا الوقت؟

غزة تُدخل الإعلاميين والصحفيين والكتاب والمفكرين أيضا في اختبار كبير، من منهم سيكتب كلمة الحق ويوضح الحقيقة ويرفع مستوى الوعي؟ ومن سيزيفون الحقيقة ويلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون؟ ومن سيكون على قدر الحدث ويقدمون كتابات وإنتاج تليق بما يجري على أرض غزة؟

كما أن الحرب على غزة تضع أصحاب الأموال في اختبار صدق عظيم، هل إذا كان الجهاد بالنفسصعبا هذه الأيام فهل سيقدمون على الجهاد بالمال ويبذلون أموالهم لنصرة الدين وحماية المقدساتوإطعام الجوعى وإغاثة المستضعفين في غزة وإمدادهم بكل ما يحتاجون؟ أم سيلهو أهل الأموالبأموالهم ويسكملون حياتهم بشكل عادي في مأكلهم ومشربهم وباقي تفاصيل حياتهم.

وهكذا كل إنسان يعيش في هذا الزمان سيجد نفسه تحت اختبار صعب تجاه ما يجري في غزة، وهلسيكتفي بموقع المتفرج على ذبح شعب كريم، أم سيقدم عملا وإسنادا ومساعدة قيمة حسب جهدهوقدر استطاعته.

وجوب النصرة

في الوقت الحالي فإن أهل غزة ليسوا أناسا عاديين، إنهم الوحيدون على ظهر الأرض حاليا الذين يرفعون راية نصرة المسجد الأقصى وحماية المقدسات ومقاومة الاحتلال وتحرير الأسرى والأسيرات،إنهم كنز حقيقي للأمة ولكل الأحرار في العالم، وكل سبب من هذه الأسباب هو سبب كافٍ لكيتنصرهم الأمة كلها ويمدونهم بكل ما يحتاجونه من مال وسلاح وطعام وشراب ودواء.

لو كان المحاصر مجموعة من القطط أو الطيور أو ما إلى ذلك لانتفض العالم للدفاع عنهم والحفاظ على حياتهم وعدم السماح بانقراضهم، كيف وأن أهل غزة هم الأمل لاستعادة إنسانية الإنسانوالحفاظ على معاني العزة والكرامة وتعليمها للأجيال الجديدة، وبناء عالم جديد يقوم على هذه المثلالعليا التي جسدها أهل غزة من صبر وصمود وتحدي وكفاح وإنجاز ونجاح عزّ أن يكون له مثيل في تاريخ البشرية.

نعم هناك أزمات عديدة تضع العالم أمام نفس الاختبار، اختبار الصدق، مثل أزمات سوريا والسودان واليمن والروهينجا والأويجور وغيرهم، لا فارق بينها وبين غزة في ذلك، ولكن حجم التدمير والقتل والقسوة التي يشنها الاحتلال على غزة غير مسبوقة بشهادة الجميع، كما أن مركزية القضية الفلسطينية تجعل لغزة الأولوية ووجوب النصرة، لخطورة آثارها واتساع نطاق تأثير نتائج هذه الحربالوجودية على جميع الأزمات السابقة وغيرها، ودورها أيضا في عدم وقوع أزمات أخرى مماثلة فيأماكن أخرى.

نهاية وبداية

إن سقوط العالم في اختبار حرب غزة، لن يمر مرور الكرام، وإنما سيكون سببا لخروج جيل جديد لايفكر بنفس طريقة تفكير المتخاذلين، ولا يتصرف بنفس طريقة تصرف المتفرجين، وإنما سيمتلك زمامأمره، وسيكون سيد قراره، وسيخط طريقه بنفسه بعدما رأى بعينه كيف تحطمت كل القوانين وسقطت كل الأساطير التي ادعاها العالم الذي كان يكذب ويدعي أنه متحضر ومتقدم.

الحرب على غزة وضعت أسسا جديدة لعالم جديد، يرى فيه الشباب أن عالم الأمس لم يعد صالحا لأنيستمر في الغد، وأن إصلاح القوانين والأنظمة التي تُسير الدول والمجتمعات أصبح واجبا لكيتستقيم حياة الإنسان على هذه الأرض.

كما أن طريقة تعامل العالم مع حرب غزة بالسماح لأمريكا وأوروبا بنصرة جيش الاحتلال وإمدادهبكل أنواع الأسلحة والآليات والذخائر، بينما لا يسمح بإغاثة المستضعفين في غزة ويرفض إمدادهمولو بكوب ماء إلا بعد سماح الاحتلال هو أمر يغرس في وجدان الأجيال الجديدة أن الغلبة في العالمالجديد ستكون لمن يشب عن الطوق ويمتلك قٌوّته ويصنع قراره ويستعيد حقوقه بنفسه، وينصر دينهبعيدا عن الخضوع لظالم أو الانصياع لإملاءات شرق أو غرب.

الراحة لا تليق في زمن الجهاد

كلما طال أمد الحرب على غزة، وكلما ارتفعت أعداد الضحايا، وكلما زادت قسوة الحصار والتجويع، كان واجبا على أمة الإسلام، لاسيما الدعاة إلى الله منهم، أن يزيدوا في بذلهم ويضاعفوا من عطائهم وجهادهم لنصرة إخوانهم المؤمنين المستضعفين في غزة بعدما اجتمعت عليهم أحزاب والقوىالبغي والطغيان.

فلا يليق أبدا بالدعاة أن يستلذوا براحة أو أن يقعدوا عن نصرة إخوانهم، وهم قد أمروا بالجهاد والبذل والحركة والسعي لنصرة دين الله ومناصرة أوليائه المؤمنين في كل وقت، لا سيما في أوقات الحروب والشدائد.

في ضميري دائماً صوت النبي  **** آمراً: جاهد وكابد واتعب

صائحاً: غالب وطالب وادأب **** صارخاً: كن أبداً حراً أبي

إن هناك واجبا على الدعاة بشكل خاص بألا ينخذلوا أمام الأعداء، وبألا يخذلوا إخوانهم وقت البأساءوالضراء، وبألا يقعدون أبدا عن البذل والعمل، ولا يميلون إلى الراحة والترف والاسترخاء ولا يفقدونالأمل.

نَبني، ولا نتكل **** نفني، ولا ننخذل

لنا يـد والـعـمـل **** لنا غـد والأمـل

التعب راحة

بل إن التعب في نصرة المظلومين وإغاثة الملهوفين هو الطريق الوحيد للراحة الحقيقية، الراحة النفسية في الدنيا والراحة والنعيم في جنات النعيم بإذن رب العالمين، وعلى العكس من ذلك فإن القعود عن تلبية نداء الدعوة وعدم نصرة المستضعفين يكون فيه التعب والنصب والابتلاء والاستبدال، والعياذ باللهمن كل ذلك، وهذا ما أوضحه الله في كتابه الكريم في سورة التوبة في قوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَامِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْقَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39))

وكل الدعاة والأحرار كانوا يفرحون بالتعب اللذيذ، ويأبون إلا البذل والعطاء في كل الظروف والأحوال،والأنبياء عليهم السلام كانوا هم قدوة الدعاة في البذل والعطاء والجهاد فكان لسانهم ناطقاً بالليلوالنهار، والإعلان والإسرار. قال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام: {قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً}, ثم قال: {ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً}

طريق البذل والعطاء

وهكذا كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فعندما هاجر إلى المدينة و معه صاحبه أبو بكرالصديق رضي الله عنه لقي في طريقه بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه فيما بين مكة والمدينة، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا.

وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يغفل عن الدعوة إلى الله والبذل والجهاد حتى وهـو فيطريقه مهاجراً إلى  المدينة بينما كانت قريش تطارده هو وصاحبه الصديق.

واقتدى الصديق أبو بكر رضي الله عنه بنبيه وحبيبه محمد في جهاده وبذله وعطائه في سبيل نصرةالإسلام والمسلمين حتى قال عند وفاته: "والله ما نمت فحلمت، ولا توهـمت فسهـوت، وإني لعـلىالسبيـل ما زغت".

يعني أنه قد شغلته حروب الردة والفتوحات وأرهـقه إرساء جهاز الدولة، حتى أنه ما كان ليستغرق في نومه ليتاح له أن يحلم، أو أن يسهو.

تجرد وعطاء

يقول سيد قطب رحمه الله: لقد كان القرآن ينشئ قلوباً يعدها لحمل الأمانة، وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع - وهي تبذل كل شيء، وتحمل كل شيء - إلى شيء في هذه الأرض، ولا تنظر إلا إلى الآخرة، ولا ترجوا إلا رضوان الله، قلوباً مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت، بلا جزاء في هذه الأرض قريب، حتى ولوكان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة، وغلبة الإسلام، وظهور المسلمين بل لو كان هذا الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهم أخذ عزيز مقتدر، كما فعل بالمكذبين الأولين.

حتى إذا وجدت هذه القلوب التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا أن تعطي بلا مقابل، أيمقابل، وأن تنتظر الآخرة وحدها موعداً للفصل بين الحق والباطل. حتى إذا وجدت هذه القلوب وعلما لله منها صدق نيتها على ما بايعت وعاهدت، أتاها النصر في الأرض وأتمنها عليه. لا لنفسها، ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة منذ كانت لم توعد بشيء من مغنم في الدنيا تتقاضاه، ولم تتطلع إلى شيء من المغنم في الأرض تعطاه.

وتتجرد القلوب لله حقاً حين تعلم قدر وعظمة ومعنى رضاه.

نماذج فريدة

يغفل كثير من الناس عن هذا النموذج الفريد في البذل والتضحية والذي يمثله التابعي العابد الفقيه المحدث الجليل "أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي"، فإنه عاف التجارات والبيوت وبنى له في الكوفة حصناً صغيراً يسعه هـو وفـرسه وسلاحه فقط، وبقي طول عمره متـحـفـزاً لـلجهاد في سبيل الله، حتى لم يعد يعرف موازين السوق التي يتعامل بها الناس. وهذا يضرب به المثل في التجرد والإخلاص ووقف النفس للجهاد ونصرة الإسلام والمسلمين.

هناك أيضا الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز، حيث تصفـه زوجه فاطمة بنت عبد الملك فتـقول: "كان قد فـرّغ للمسلمين نفسَـه، ولأمورهم ذهنه، فكان إذا أمسى مساءً لم يـفـرغ فيه من حوائج يومه: وصل يومه بليلتـه".

وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إن أرادوا أن يصدقوا في دعوتـهم ويؤدوا الأمانة. يصف الإمام حسنالبنا أصحابه فـيـقـول: (قـد سهـرت عيونهم والناس نيام، وشغـلت نـفـوسهم والخليون هجع، وأكبّأحدهم على مكتبه من العصر إلى منتصف الليل، عاملاً مجتهداً، ومفكراً مجداً، ولا يزال كذلك طول شهره، حتى إذا ما انتهى الشهـر جعل مورده مورداً لجماعته، ونفـقـتــه: نـفـقـة لدعوتـه، وماله: خادما ًلغايته، ولسان حاله يقول لبني قومه الغافلين عن تضحيته: {لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الله})

حاجة الأنام إلى الشجاعة والإقدام

إن أحداث التاريخ ووقائع الحاضر تتكلم بصوت مرتفع لتقول إنه لو ترك الأمر لأهل الباطل لما رضواإلا بإبادة الحق وأهله، وبمسح بلاد المسلمين عن الخريطة، وهم بالفعل يعملون على ذلك ليلا ونهاراسرا وجهارا.

ولكي يبقى للحق وأهله ذكرا ووجودا فلا بد أن يكون أهل الحق لديهم من الشجاعة والإقدام ما يجعلهم قادرين على مواجهة مخططات أهل الشر، ويجعلهم قادرين على المقاومة، متصفين بالشجاعة في جميع المواقف والتصرفات؛ لأن الضعف والتماوت لا يجدي نفعا أمام حقد الأعداءوبطشهم.

وإن طبيعة الشر وأهله أنهم يكونون أشرارا يمارسون العنف والشدة والحرب مع أهل الخير والدعاةإلى االله في حال ضعف الأمة، بينما يتحولون إلى منافقين يداهنون أهل الخير في حالة قوة الأمةونهضتها.

وتاريخ دعوة الأنبياء المرسلين شاهد على اعتداءات الأشرار الذين لم يراعوا حرمة الأنبياء عليهمالسلام، ومن أجل ذلك كانت الشجاعة خلقًا أصيلاً ومطلوبا للمؤمنين وللدعاة إلى االله كي يدافعوا عنحقهم وينصروا دينهم في كل زمان.

والنبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على أن تكون شجاعة في حماية الدين، ورد المعتدين، فإذاانخذلت الأمة عن القيام بواجبها، وتخلت عن أداء رسالتها أوشكت أن يعمها االله بعذاب، كما قال النبي صلى االله عليه وسلم: [إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها]، وإذا كانهذا حق الأمة عامة، فإن واجب الدعاة في هذا التكليف أثقل وأعظم؛ فالدعاة هم جيش الإسلام وحراس الإيمان، وحاجتهم إلى الشجاعة للدفاع عن الحق لازم من لوازم وظيفتهم، وواجب من واجباتدعوتهم.

الشجاعة لماذا؟

لا شك أن الذي يمكن قوى الاحتلال قديم من بلاد المسلمين ولا يزال هو العجز والضعف والهوانوالجبن والفرقة، ولم تنهض أمة من الأمم إلا بعد امتلاكها عناصر القوة والشجاعة والعلم والإيمان.

لذلك تحتاج أمة الإسلام إلى الشجاعة في كل وقت، وخاصة في موطنين:

الأول: الدفاع عن الدين ضد أعدائها في ميادين الجهاد، قال علي بن أبي طالب رضي االله عنه: (كناإذا احمر البأس ولقي القومُ القوم اتقينا برسول االله صلى االله عليه وسلم فما يكون منا أحد أدنى منالقوم منه) (رواه أحمد). وكم للإسلام في هذا الباب من فارس همام وبطل مقدام، يعجز القلم عنوصفهم.

الثاني: الصدع بالحق والجهر به دون خوف أو رهبة، وهنا لا بد للمؤمن أن يتمثل قول رسول االله صلى االله عليه وآله وسلم: (لا يمنعن أحدا هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علمه)، وقوله عليه الصلاةوالسلام: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره وناه فقتله)، وقوله: (أفضل الجهادكلمة حق عند سلطان جائر). فالشجاعة في النطق بالحق والجهر به سيادة وريادة وجهاد وشهادة.

أسباب الشجاعة

من أراد أن يمتلك الشجاعة في قلبه فعليه أن يزرع في قلبه هذين الخلقين:

أولا: الإخلاص لله، وابتغاء ما عند الله، وإيثار ما عند االله، والاعتزاز بالعمل له والجهاد في سبيله،وتفضيل ما عنده والعلم بأن ما عند الله خير وأبقى، والركون إلى جنابه عند تجبر الجبارين؛ فهوصاحب القهر والسلطان، وهو ذو الجلال والإكرام، (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير)

وهذه الأخلاق هي ثمرة من ثمار العلم بالله والإيمان به واليقين بصدق وعده، ومعرفة صفات جمالهونعوت جلاله. فمن عرف قدر ما له عند االله آثره على كل ما سواه، وقدمه على من عداه.

ومن صدق إيمانه بالله وقوي رجاؤه فيما عنده، كان من السهل عليه أن يفتدي الحق بعمره، ولا يخافمن أن يقتل شهيدا في سبيله.

ثانيا: الخلق الثاني الباعث على الشجاعة فهو: الزهد فيما عند الناس، وعدم الطمع في أعطيات هؤلاءوهؤلاء، وعدم الاغترار بالدنيا وزينتها، والتخلص من ذل الطمع والشهوات.

فالغنى الحقيقي يتمثل في القناة والرضى، والعز الحقيقي هو اليأس مما في أيدي الناس، بينماالطمع فيما عند الناس هو الفقر الحقيقي.

عندما سئل أهل البصرة: بم سادكم الحسن البصري؟ قالوا: احتاج الناس علمه، واستغنى عن دينارهم.. فقيل: ما أحسن هذا.

أمت مطامعي فأرحت نفسي... فإن النفس ما طمعت تهون