وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، اليوم الثلاثاء، ظروف الحياة والدمار في غزة بـ"اللاإنسانية تماماً"، معبّراً عن شعوره بالقلق إزاء تصريحات مسئولي حكومة الاحتلال حول استخدام المساعدات الإنسانية أداة للضغط العسكري، ومشدداً على أن المساعدات ليست ورقة تفاوض.

وقال جوتيريش، خلال إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، خلال جلسته الدورية حول الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، والتي عُقدت هذا الشهر تحت الرئاسة الفرنسية للمجلس، على مستوى دبلوماسي رفيع، وترأسها وزير الشؤون الخارجية والأوربية الفرنسي جان نويل بارو، إن الشعب الفلسطيني في غزة "يتعرض للهجوم مراراً وتكراراً، محصوراً في مساحات أصغر فأصغر، محروماً من الإغاثة المنقذة للحياة". وذكّر بأنه "تماشياً مع القانون الدولي، رفض مجلس الأمن أي محاولة للتغيير الديموجرافي أو الإقليمي في قطاع غزة، بما في ذلك أي إجراءات من شأنها تقليص أراضيه".

حصار وحرمان من المساعدات

 

وأكد جوتيريس ضرورة "أن تبقى غزة جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية". وتوقف عند منع الاحتلال "لما يقارب شهرين كاملين، دخول الغذاء والوقود والأدوية والإمدادات التجارية إلى غزة، مما حرم أكثر من مليوني شخص من الإغاثة المنقذة للحياة. كل ذلك أمام أنظار العالم". وشدد على ضرورة أن تقوم إسرائيل بـ"حماية المدنيين والموافقة على برامج الإغاثة وتسهيلها"، مطالباً بدخول المساعدات فوراً، وضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة وشركائها في المجال الإنساني.

كما شدد على الحاجة للإفراج عن الأسرى الصهاينة ووقف إطلاق نار دائم. وأكد ضرورة "وجود مساءلة شاملة عن الانتهاكات المرتكبة، بما فيها استشهاد عدد من المسعفين والعاملين في مجال الإنقاذ" في التاسع عشر من مارس الماضي، والذي اعترف الاحتلال بمسئوليته عنه.

جلسات محكمة العدل الدولية

 

وتوقف الأمين العام للأمم المتحدة عند المداولات في محكمة العدل الدولية التي تجرى حالياً حول "التزامات إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال وعضواً في الأمم المتحدة"، مشدداً على أنها "ملزمة بضمان توفير الإمدادات الغذائية والطبية للسكان، كما أنها ملزمة بالموافقة على خطط الإغاثة في الأرض الفلسطينية المحتلة وتسهيلها".

وشدد على "ضرورة احترام إسرائيل التزاماتها بموجب القانون الدولي، باحترام امتيازات وحصانات الأمم المتحدة وموظفيها، بما في ذلك حرمة مباني الأمم المتحدة وممتلكاتها وأصولها، وحصانتها من الإجراءات القانونية"، مشيراً إلى أن "هذه الحصانة تنطبق على جميع كيانات الأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)".

وتوقف الأمين العام للأمم المتحدة عند الوضع في "الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، حيث تُحدث العمليات العسكرية الإسرائيلية واستخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق السكنية، والتهجير القسري، وعمليات الهدم، وقيود الحركة، وتوسيع المستوطنات، تغييراً جذرياً في الواقع الديمغرافي والجغرافي". كما أشار إلى الضغوط التي تتعرض لها السلطة الفلسطينية، معبّراً عن قلقه لاستمرار "عنف المستوطنين بمستويات عالية، بشكل مثير للقلق، في ظل مناخ من الإفلات من العقاب، حيث تواجه مجتمعات فلسطينية بأكملها اعتداءات متكررة وتدميراً، بتحريض من جنود إسرائيليين أحياناً".

"مرحلة مفصلية"

 

في سياق آخر، عبّر جوتيريش عن ضرورة مواصلة العمل في سورية "لدعم مسار البلاد نحو انتقال سياسي يشمل جميع شرائح الشعب السوري، وانتقال يضمن المساءلة، ويعزز التعافي الوطني، ويضع أسس تعافي سورية على المدى الطويل، ويعزز اندماجها في المجتمع الدولي".

وشدد على أن ذلك "يشمل الوضع في الجولان السوري المحتل، الذي لا يزال محفوفاً بالمخاطر، مع انتهاكات جسيمة لاتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، مع استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في منطقة الفصل، وهجماته العديدة التي تستهدف مواقع عبر خط وقف إطلاق النار".

 

وشدد جوتيرش على "مرور المنطقة بمرحلة مفصلية في تاريخها. كما أن السلام المستدام الحقيقي في الشرق الأوسط يتوقف على مسألة محورية واحدة (...) حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن، والقدس عاصمة لكليهما".

وأضاف أن "وعد حل الدولتين معرَض لخطر التضاؤل إلى حدّ التلاشي، والالتزام السياسي بهذا الهدف الراسخ أصبح أبعد (عن المنال) أكثر من أي وقت مضى. ونتيجةً لذلك، قُوِّضت حقوق كلٍّ من الإسرائيليين والفلسطينيين في العيش والسلام والأمن، وحُرِم الفلسطينيون من تطلعاتهم الوطنية المشروعة، في ظلّ استمرار إسرائيل بـ(احتلالها بقية الأراضي الفلسطينية عام 1967) الذي قضت محكمة العدل الدولية بعدم قانونيته".

مواقف دول

 

من جهته، توقف مندوب فلسطين للأمم المتحدة رياض منصور عند قرارات مجلس الأمن التي شملت التوافق حول حل الدولتين، ومعارضة الاستيطان، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وغيرها، مشيراً إلى أنه "لا يوجد نقص في القنابل التي تسقط على غزة.. النقص في كل شيء آخر، بما فيها المساعدات الإنسانية والمواد الطبية".

ولفت إلى استمرار خطط التهجير والضم، من دون أن يشعر القادة الإسرائيليون حتى بالحاجة إلى إخفاء نياتهم. وشدد على ضرورة استئناف وقف إطلاق النار الفوري في غزة. وتحدث السفير الفلسطيني عن منع إسرائيل له هذا الأسبوع من الدخول إلى بلاده بعد احتجازه لأكثر من خمس ساعات على الحدود، وعدم السماح له بالتوجه إلى رام الله، وإجباره على العودة إلى الولايات المتحدة.

 

أما وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، فشدد على ضرورة العمل من أجل السلام والأمن للجميع. وأكد أن الأولوية الأولى تكمن في إنهاء معاناة المدنيين، وأعطى مثالاً على ذلك الاتفاق بين إسرائيل ولبنان، على الرغم من الشوائب، معبّراً عن أسفه للوضع في غزة، وقائلاً إن بلاده تدعم جهود الجهات الوساطة من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين، وإدخال المساعدات.