كشف تقرير استقصائي مشترك أن المفوضية الأوروبية وعدداً من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يموّلون بشكل غير مباشر الصناعات العسكرية الصهيونية، لا سيما تلك المنخرطة بشكل مباشر في الحرب على غزة، من خلال مشاريع دفاعية تمولها بروكسل.

 

ووفقًا للتحقيق الذي أجرته منصة (Investigate Europe) بالتعاون مع غرفة أخبار (Disclose) الفرنسية وموقع (Reporters United) اليوناني، فإن شركة "الصناعات الجوية الإسرائيلية"(IAI)، وهي أكبر شركة صناعة عسكرية مملوكة لكيان الاحتلال، تستفيد من تمويل أوروبي عبر شركة "إنتراكم ديفينس" اليونانية التي استحوذت عليها (IAI) في مايو 2023.

 

تمويل مشاريع مسيّرات وتقنيات قتالية

تشارك شركة "إنتراكم ديفينس" في 15 مشروعًا ضمن "الصندوق الأوروبي للدفاع"، وتبلغ قيمتها نحو 15 مليون يورو (17.5 مليون دولار)، وقد تم منح سبعة من هذه المشاريع بعد أكتوبر 2023، أي بعد استحواذ (IAI) عليها، ومن أبرز هذه المشاريع:

 

"    ترايتون" و"مارتي": انطلقا في ديسمبر 2024 ويهدفان إلى تطوير تقنيات الأمن السيبراني المعززة بالذكاء الاصطناعي وأنظمة دبابات قتالية.

 

    "أكتوس": مشروع رائد يمتد لأربع سنوات تقوده "إنتراكم ديفينس"، ويركز على تطوير تقنيات الطائرات المسيّرة لصالح الجيوش الأوروبية، بما يشمل دمج الأسلحة والتتبع اللحظي للأفراد وتصنيفهم كأهداف محتملة.

 

ويحظى مشروع "أكتوس" بتمويل قدره 59 مليون يورو، منها 42 مليونًا من المفوضية الأوروبية، تُمنح لـ23 شركة تصنيع أوروبية، في حين تشارك سبع وزارات دفاع أوروبية في تمويل المشروع، هي: فرنسا، بلجيكا، اليونان، النرويج، السويد، قبرص، وفنلندا.

الاحتلال في قلب منظومة الدفاع الأوروبية

 

وتلقّت "إنتراكم ديفينس" 14 مليون يورو من المفوضية الأوروبية ضمن المشروع، بينما حصلت شركة "سافران" الفرنسية (التي تملك الدولة الفرنسية أسهماً فيها) على 10 ملايين يورو.

 

وتُعد "إنتراكم" مسجّلة في اليونان، لكن 94.5% من أسهمها مملوكة لشركة (IAI) الصهيونية، التي تملك 100% من حقوق التصويت.

 

تعد (IAI) من الركائز الأساسية في حرب الإبادة الصهيونية على غزة، وهي المصنّع لطائرات "هيرون" المسيّرة التي تستخدمها سلاح الجو الصهيوني في عمليات الاستهداف والتجسس.

 

ورغم أن الصندوق الأوروبي للدفاع يهدف إلى تعزيز الابتكار داخل الاتحاد، إلا أن المادة 9 من لوائحه تسمح بتمويل شركات أجنبية طالما أنها مسجّلة داخل أوروبا وتقدّم "ضمانات" بعدم تسريب المعلومات الحساسة لجهات أجنبية – في هذه الحالة، تقدم الضمانات إلى الحكومة اليونانية، الحليف الوثيق للاحتلال.

 

وبحسب التحقيق، فإن ضمّ شركة صهيونية إلى منظومة التمويل الدفاعي الأوروبي يعكس رغبة الاتحاد في الاستفادة من "الخبرات العسكرية النوعية" التي تملكها سلطات الاحتلال الصهيوني، لا سيما في مجالات مثل الطائرات الانتحارية.

 

ونقل التحقيق عن خبير دفاعي قوله: "نحن بحاجة إلى الخبرة الإسرائيلية التي نفتقدها. أعتقد أن هذا يفسّر صفقة الاستحواذ على إنتراكم (…) نريد تطوير طائرات انتحارية خاصة بنا، ونحتاج إلى لمسة إسرائيلية في هذا المجال".

 

تضارب المواقف الأوروبية

 

ويُظهر التحقيق وجود تناقض صارخ بين الخطاب السياسي الأوروبي وتصرفاته العملية. فبينما تعلن بعض الدول الأوروبية عن نيتها فرض عقوبات على الاحتلال بسبب جرائمها في غزة، تواصل في الوقت ذاته تمويل شركات مرتبطة بصناعتها العسكرية.

 

وقال مارك بوتينجا، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي، إن ما يحدث يمثل "مشكلة هيكلية في البنية الأمنية للاتحاد الأوروبي".

 

أما آيمريك إيلوين، من منظمة العفو الدولية – فرع فرنسا، فعقّب على نتائج التحقيق بالقول: "كيف يمكن أن تدعو أوروبا للسلام، وفي الوقت نفسه تدعم -من خلال صندوق يُفترض أنه لتعزيز الدفاع الأوروبي– صناعة إسرائيلية متورطة في جريمة إبادة جماعية، ويواجه رئيس وزرائها مذكرة توقيف بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟"

 

وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت في نوفمبر 2024 مذكرة توقيف بحق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

ورغم خطورة المسألة، لا تفرض لوائح الصندوق الأوروبي للدفاع ضوابط أخلاقية صارمة على استخدام أو تصدير التكنولوجيا المنتجة في المشاريع الممولة منه. فالمادة 7 تنص فقط على أن المشاريع يجب أن تمتثل للقوانين الوطنية والدولية، وتترك تقييم مدى الامتثال لمراجعة "لجنة من الخبراء المستقلين"، من دون الإفصاح عن هوياتهم.

 

وصف بوتينجا نظام الرقابة هذا بأنه "هزيل"، قائلاً: "إن تنظيم الصندوق الأوروبي ضعيف للغاية من حيث الأخلاقيات والشفافية… الاكتفاء بالتقييم الذاتي في قطاع مثل الدفاع يُعدّ سخرية".

 

وختم قائلاً: "من الواضح أن الإطار الحالي للصندوق لا يوفّر ضمانات كافية لمنع مساهمة مشاريع الاتحاد الأوروبي في انتهاكات القانون الإنساني الدولي".