الأسبوع الماضي أكمل المهندس خيرت الشاطر الستين من عمره، فهو من مواليد الرابع من مايو سنة 1950م، وقضى منها عشر سنوات في سجون الرئيس مبارك، ومنذ أيام مرت ثلاث سنوات على الحكم الصادر عليه مع عددٍ من رفاقه؛ حيث قضت محكمة عسكرية بحبسه سبع سنوات، وكان قد أُلقي القبض عليه في ديسمبر سنة 2006م، عقب ما عُرِفَ باستعراض ميليشيات الأزهر، تم بعدها الإفراج عن جميع الطلاب المقبوض عليهم، واتضح أن القضية كلها "فشنك"!.

 

ومن قبل ذلك كان "الشاطر" قد مكث خمس سنوات وراء الشمس منذ سنة 1995م، بناءً على حكمٍ صادر في حقه وحق عددٍ من قيادات الإخوان من محكمة عسكرية، وَجَّهت إليه اتهامات هي ذاتها التي حُوكم عليها من جديد بعد أكثر من عشر سنوات.

 

وجدير بالذكر أن "الباش مهندس خيرت الشاطر" أُلقي القبض عليه لأول مرة في عهد الرئيس الحالي سنة 1992م فيما عُرف بقضية "سلسبيل" مع رفيق دربه المهندس حسن مالك، لكن تم الإفراج عنه بعد سنة بعدما تبيَّن أن القضية أي كلام!.

 

ومن منطلق تلك المناسبات غير السعيدة أقامت اللجنة القومية للدفاع عن سجناء الرأي والحريات ندوةً تحت عنوان: "تضامن المجتمع المدني مع خيرت الشاطر ورفاقه" حضرها العديد من رموز القوى الوطنية، كما قمتُ بزيارة منزل الأسرة في مدينة نصر، وكان لي شرف لقاء زوجته المهندسة "عزة أحمد توفيق" وأولاده الذكور: سعد والحسن، وابنته الكبرى "الزهراء" وزوجها الشاب الجميل المهندس أيمن عبد الغني الذي كان محبوسًا مع "حماه" خيرت الشاطر لمدة ثلاث سنوات.

 

والمفاجأة أن شريكة عمر نائب مرشد الإخوان خرجت لأول مرة عن صمتها الذي استمر لمدة طويلة ووافقت على الحديث مع "الدستور" قائلةً: من خلال حواري معكم أسأل الرئيس مبارك: لماذا كل هذا الظلم الواقع على زوجي في عهدك.. ألا تخشى الله؟

 

وتحت هذا السؤال العريض سالف الذكر المُوجَّه إلى رئيس الجمهورية تذكر السيدة الفاضلة زوجته الآثار المترتبة على هذا الظلم.. أبسطها أن جميع الأعياد غائب عنها، وتحديدًا 22 عيدًا ما بين أعياد الفطر والأضحى لم تستطع الأسرة الاحتفال بها؛ لأن زوجي في السجن، وصدق أو لا تصدق عنده ثماني بنات تزوج سبع منهن وهو وراء الشمس، وعنده 16 حفيدًا لم يحضر سوى ولادة حفيد واحد فقط!.

 

وتسأل زوجة خيرت الشاطر الرئيس مبارك: لماذا التعنُّت مع زوجي بالذات؟ إنه أكثر الإخوان حبسًا في عهدك؟ وأول مَن صُودرت أمواله من تلك الجماعة، وكان ذلك سنة 1992م، وأكثر مَن تعرَّض للحملة الإعلامية الحكومية المغرضة المضللة.

 

وتزداد حيرة زوجته وهي تقول: لا أفهم أسباب كل هذا، فزوجي إنسان توافقي وغير صدامي بالمرة، ولم يسعَ إلى أي منصب، أو ينافس أحدًا في أي انتخابات، ودومًا كان "وسطة خير" بين الإخوان والنظام الحاكم، وظهر ذلك واضحًا في مظاهرات الإخوان أثناء حرب العراق، والمؤتمر الحاشد الذي أُقيم بهذه المناسبة في إستاد القاهرة، وكلها مرت بسلام، ومن الأسباب الأساسية لذلك خيرت الشاطر، ومَن يعرفه عن قربٍ يقول عنه إنه إنسان مسالم ليس له أعداء حتى من الموالين للنظام الحاكم، بل معروف عنه أنه يرد الإساءة بالإحسان.

 

وتقول زوجة المهندس خيرت الشاطر: القرآن الكريم أخبرنا أن سيدنا موسى نجح في التفاهم مع فرعون، لكن حاكم مصر لم يقبل بانتصار نبي الله عليه وهزيمة السحرة وسجودهم لرب العالمين! لكن الرئيس مبارك يغلق كل الطرق المؤدية إليه ويرفض الاستماع إلى أحد وسماع شكاوى المظلومين، وكانت نتيجة سجن زوجي لسنوات طوال ظلمًا وزورًا وعدوانًا، أن تكالبت عليه الأمراض، فهو يشكو من الضغط والسكر وله تأثيره في أطراف جسمه فلا يشعر بها!!

 

كما لُوحظ وجود حصوات في الكلي، بالإضافة إلى تضخم في القلب زاد في الأشهر الثلاثة الأخيرة بصورة ملحوظة.. لكنه والحمد لله لا يشكو ولا يئنُّ ويرفض أن يستجدي أحدًا! بل يتميز بالقوة في مواجهة محنته.

 

وهنا يتدخل زوج ابنته المهندس أيمن عبد الغني، وكان محبوسًا معه في القضية ذاتها لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يُطلق سراحه بعد انتهاء فترة عقوبته، ويقول: "الباش مهندس خيرت الشاطر" يتميز بقوة شخصيته، وهذا ما يشهد به الجميع، وفي الوقت ذاته صاحب قلب حنون كبير، ويتميز كذلك بذكاء حادٍّ وسرعة بديهة وقدرة على التواصل مع الآخرين.

 

سألته كيف يقضي المهندس خيرت الشاطر يومه الطويل داخل محبسه؟

 

أجابني رفيق سجنه قائلاً: تجده دومًا مشغولاً بأمور ثلاثة، فهو أولاً يُعطي للعبادات حقَّها، وكذلك يحب القراءة جدًّا، فهو قارئ ممتاز، وعنده هواية الاطلاع ومتابعة الأحداث ومعرفة ما وراء الخبر، والأهم أنه مشغول بغيره داخل السجن، ويعطي لأسرته بالطبع اهتمامًا فائقًا ويتابع دروس أبنائه، وكثيرًا ما كتب لهم مذكرات تُساعدهم على ذلك، وتجده دومًا مهتمًّا بتفاصيل ما يجري في بيته، خاصةً زواج بناته، وأنا شخصيًّا تزوجت ابنته الكبرى سنة 1996م، وكان- وهو في السجن- مطلعًا على التفاصيل، وهكذا فعل مع كل مَن تزوَّجت من فلذة أكباده، وهو لا يهتم بالنواحي المادية في الزواج، فالمهم عنده شخصية "العريس"، ودوره كان أساسيًّا كذلك في اختيار كليات أبنائه، ويتابع ما يجري في منزله برسائل تربوية إلى أهل بيته.

 

ويضيف قائلاً: رأيته مهتمًّا دومًا بمشاكل الآخرين من زملائه المعتقلين، وكأنَّ مشكلةَ الواحد منهم مشكلته الشخصية، ويتواصل حتى مع السجانين ومشاكلهم بقوة المؤمن وثباته؛ ولذلك فهم يحترمونه جدًّا.

 

ويتذكر المهندس أيمن عبد الغني بداية تعرفه على خيرت الشاطر، وأول "حبسة" معه سنة 1992م في سجن استقبال طره، حيث كان "الشاطر" متهمًّا في قضية سلسبيل، بينما كان قادمًا هو مقبوضًا عليه مع عشرات من أبناء محافظة الشرقية، ومنهم القيادات مثل الحاج سعد لاشين والعديد من الطلاب، ورأينا الشاطر يُرحِّب بنا بالفعل وليس بالكلام، ويضع نفسه في خدمة كل واحدٍ منا.

 

وفي "حبسة" أخرى كان معه عددٌ من أهل التكفير والهجرة الذين يقاطعون غيرهم من التيار الإسلامي فكان الشاطر يدعوهم إلى أكلة سمك بدلاً من اللحوم التي يرفضون أن يشاركوا الإسلاميين الآخرين في تناولها، مع العلم أن تعبير "التكفير والهجرة" اسم أطلقته المباحث على هؤلاء.

 

وأتذكر أنه كان هناك عدد من الفلاحين حُبِسوا معه فوضع لهم أبياتًا من الشعر تقول:
محلاها عيشة الفلاح.. قاعد في السجن مرتاح.. لا بيزرع غلة ولا فول، ولا عنده بهايم ولا عجول.

 

والمعروف عنه أنه محب للشعر ينطلق منه بتلقائية أحيانًا، خاصةً مع أولاده وأحفاده في المناسبات المختلفة.

 

سألت زوج ابنته عن بدء اهتمام خيرت الشاطر بالعمل العام، فأجاب: طوال عمره مهتم بالسياسة لأنه إنسان وطني، وقبيل هزيمة سنة 1967م كان في منظمة الشباب، وأستاذه في تلك الفترة عبد الغفار شكر- القيادي اليساري البارز- وهما ينتميان إلى محافظة الدقهلية، ويعرف "شكر" أسرة "الشاطر" جيدًا.

 

وبعد كارثة سنة 1967م تغيرت "بوصلة" خيرت الشاطر الفكرية، واتجه إلى التدين الفطري السليم، وكان وقتها طالبًا بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية عندما وقعت أحداث دامية هناك احتجاجًا على الهزيمة.

 

وكان الشاطر ضمن سبعة طلاب تم اتهامهم بأنهم من القيادات التي قادت الطلاب، وكان وقتها في إعدادي هندسة، وهذا يدلك على قوة شخصيته، وتم سجنه في سجن "الحضرة" بالقرب من الإسكندرية، وبعدها فوجئ بتجنيده بالجيش رغم أنه لم يستكمل إجازته، وتم إبعاده إلى منطقة الزعفرانة بالقرب من البحر الأحمر، وله شرف المشاركة في حرب الاستنزاف، وكان ممنوعًا أن يأخذ أي إجازة، بل ظل طوال فترة تجنيده داخل وحدته.

 

وبعد انتهاء حرب أكتوبر انتهى هو الآخر من دراسته بالهندسة، وكان متفوقًا كالعادة فتم تعيينه بكلية الهندسة بالمنصورة عند إنشاء الجامعة هناك، وتعرف خلال هذه الفترة عن قرب بجماعة الإخوان المسلمين، خاصةً مسئول الجماعة بتلك المحافظة، في ذلك الوقت المرحوم محمد عدوي، وتأثير هذا الرجل فيه كان كبيرًا، وهكذا ارتبط المهندس خيرت الشاطر بالإخوان المسلمين.

 

ولأنه ذكي ومخلص و"شاطر" واسمه على مسمَّى، فقد ترقَّى بسرعةٍ في صفوف الجماعة ودخل مكتب الإرشاد، ثم أصبح أحد نواب المرشد العام للجماعة! وأهم ما تميز به نشاطه الاقتصادي المبتكر، فهو من أوائل من أدخل نشاط البرمجيات في مصر، وكان يريدها صناعةً متكاملةً، وليس فقط مجرد تجميع!، ولعل هذا هو السر الذي يقف وراء ضربه من هؤلاء الذين لا يريدون لبلادنا نهضة حقيقية!، ويتأكد هذا الأمر عندما تعلم حضرتك أن مباحث أمن الدولة فشلت في تقديم أي دليل مادي ضد خيرت الشاطر، بل كلام مرسل أشبه بمسرحية هزلية، وقضاؤنا المدني الشامخ وقف إلى جانبه، ولكن لا مكان لسيادة القانون في بلد يحكمه الظلم والطوارئ.

----------

* نقلاً عن جريدة "الدستور".