الحاجة عزة تروي تفاصيل 11 سنةً سجنًا لزوجها:

- النظام جعلنا نجوم مجتمع وتعاطف الشعب وسام حقيقي

- حصاد 11 سنةً سجنًا: زواج 7 من بناته وميلاد 15 حفيدًا

- أنتظر إطلاق سراح زوجي من الله وليس من النظام الفاسد

- المواقف الصعبة كان يراها الشاطر في منامه قبل أن تقع

- علم بنجاح ابنته في الثانوية وهو في سيارة الترحيلات

 

أجرى الحوار- أحمد سبيع:

في الثالث والعشرين من يوليو الجاري يستحق المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام وبقية رهائن القضية العسكرية، وهم: رجل الأعمال حسن مالك، والمهندس أحمد شوشة، والحاج صادق الشرقاوي، والناشر أحمد أشرف؛ الإفراج بنصف المدة، بينما يستحق آخر ثلاثة الإفراج بثلاثة أرباع المدة في شهر سبتمبر المقبل إلا أن القانون المصري الذي يتم تطبيقه و"طيه" في الأدراج إذا كان الإخوان طرفًا في التقاضي به لا يتم تفعيله في مثل هذه القضايا.

 

المهندس خيرت الشاطر حالة منفصلة؛ حيث سبق اعتقاله لمدد تقترب من العامين، الأولى عام 1992م في القضية المعروفة باسم "سلسبيل"، والتي اقترب الحبس فيها من عام كامل، والثانية عام 2002م بعد إطلاق سراحه في القضية العسكرية لعام 1995م، والتي تمَّ فيها اعتقاله لمدة 11 شهرًا، وطبقًا للقانون فإنه يتم ضم هذه المدد إلى المدة التي قضاها الشاطر في القضية الحالية، باعتبار أن التهم في القضايا الثلاثة واحدة والقانون يلزم بضم مدة الحبس الاحتياطي في القضيتين الأولى والثانية إلى الثالثة، وبذلك يكون الشاطر قد أتمَّ ثلاثة أرباع مدة سجنه التي قررتها المحكمة العسكرية بسبع سنوات في القضية الأخيرة؛ ولأن القانون ممنوع تطبيقه على الإخوان كما سبق التوضيح؛ فإن النائب العام لم يؤشر حتى الآن بضم مدتي الحبس الاحتياطي السابقتين للقضية الحالية، رغم أنه إجراء يتم آليًّا بعد قيام محامي المهندس خيرت بتقديم طلب للنائب العام بهذا الشأن؛ ما دفع هيئة الدفاع إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لهذا الغرض.

 

احتل المهندس خيرت الشاطر المرتبة الأولى في قائمة أكثر المظلومين في عهد النظام الحالي، فهو أكثر مسجون سياسي يقضي عقوبات مختلفة خلف القضبان اقتربت- حتى كتابة هذه السطور- من 11 عامًا، كما أنه دائمًا على رأس كل القضايا الجديدة التي يدبِّرها النظام للإخوان، وهو كذلك أول من يحصل على أعلى العقوبات التي يحدِّدها النظام سواء بالخمس السنوات في قضية 95 أو 7 سنوات في قضية 2006م، إلا أن أسرة الشاطر لها منظور آخر في هذا الموضوع، فهي ترى في ذلك اصطفاءً من الله عزَّ وجلَّ لعبد من عباده، فعلى قدر المصيبة يكون الجزاء والعطاء من المولى سبحانه وتعالى، هذا ما أكدته رفيقة دربه وشريكة كفاحه وجهاده زوجته أو "الوالدة"، كما تلقبها عائلة الشاطر هي الحاجة (عزة أحمد محمد توفيق)، التي قالت إن زوجها لا ينتظر منةً من أحد؛ كي يتم إطلاق سراحه، فهو لم يكن يستحق السجن من الأساس.

 

 الصورة غير متاحة

 عزة توفيق زوج المهندس خيرت الشاطر

وعندما سألتها: لماذا خيرت الشاطر تحديدًا الذي يتعرض لهذا الظلم؟ ردت عليَّ السؤال بسؤال آخر ولكنه موجَّه لجهة أخرى، وجهته إلى رئيس الجمهورية، وتساءلت قائلةً: ما سبب سجن زوجي؟! أريد أن أعرف حتى إذا كان السبب مقنعًا يستريح قلبي بأنه غير مظلوم، ولكن النظام الذي دخل في خصومة سياسية مع زوجي لا يجد سببًا مقنعًا يقوله لي أو لأي شخص آخر يسأل هذا السؤال.

 

وأضافت الزوجة قائلةً: ولكني أعرف السبب وهو خوف النظام ليس من الشاطر، وإنما من مشروع النهضة الإسلامية الذي ينادي به الشاطر ومن معه، هذا هو السبب فالنظام الذي فشل في كل شيء لا يريد لأحد غيره أن ينجح، وبدلاً من أن يواجه خصومه بالعمل وخدمة الشعب يواجههم بالخيار الأسهل، وهو الاعتقال والسجن والتعذيب، بل والقتل في بعض الأحيان إن وجد في ذلك حلاًّ لبقائه.

 

التفوق هو السبب

وتضيف الزوجة التي تحملت تربية أبنائها وإدارة شئون عائلة كبيرة طوال أكثر من 10 سنوات؛ أن زوجها طوال هذه الفترة لم يكن في إعارة أو عمل خارج البلاد، وإنما كان في عمل وإصلاح في الداخل سواء كان في السجن تارةً أو الاعتقال تارةً أخرى.

 

وتضيف الزوجة متسائلة: ما جريمة زوجي؟ أريد أن أعرفها حتى أبرِّر لأولاده- الذين كبروا وهو ليس أمامهم- سبب وجوده خلف القضبان، وحتى أجد سببًا مقنعًا لأحفاده الـ17؛ لماذا لم يتواجد جدهم في ولادتهم بل وفي كلِّ المناسبات التي مروا بها، أريد أن أعرف سببًا أقوله لأزواج بناتي الذين لا يجدون مكانًا لمقابلة والد زوجاتهم؛ لإتمام إجراءات الزواج إلا خلف القضبان، أريد أن أعرف لماذا يحاكم بدون جريمة، فقد كان أول من سُجن في قضية "سلسبيل"، وهي القضية التي كانت مثالاً صارخًا على الفساد، فجريمة زوجي أنه استطاع تقديم عرض جيد لتقديم الخدمات الإلكترونية في بطولة الألعاب الإفريقية التي شهدتها القاهرة عام 1992م، ولأن أحد الشخصيات الكبرى قدَّم عرضًا آخر، ولكنه أقل من عرض زوجي وشريكه حسن مالك، وكان الاتجاه وقتها لقبول عرضنا ولكن لأننا في مصر؛ فإن النظام لم يكتفِ بقبول عرض المنافس الأقل، وإنما عاقب زوجي لأنه ناجح وشاطر ومتفوق في أي مجال يدخله، وبدأت من هنا الخصومة التي لم تنتهِ، فمع كل قضية جديدة للإخوان يكون زوجي في مقدمتها، وحتى الأحكام نفسها يكون زوجي أول من يحصل على شريحة الأحكام الجديدة، ففي القضية العسكرية عام 95 كان أول من حصل على أحكام الخمس سنوات، والتي كانت وقتها الأشد عقوبة، وفي قضية 2006م كان أول من حصل على العقوبة الأشد الجديدة وهي السبع سنوات.

 

دولة الظلم

 

خيرت الشاطر خلال زيارة إلى لندن

الزوجة التي التقطت أنفاسها للحظات، عادت لتؤكد: هذا كله يحدث لأننا في دولة قوامها الأساسي هو الظلم، ونحن نتعامل مع نظام لا يخضع في تصرفاته لأي منطق، فماذا نفعل؟ هل يريد النظام دفعنا نحو العنف؟.. لو كان يريد ذلك فهو واهم لأننا اخترنا طريق الإصلاح بالطرق السلمية مهما كلفنا ذلك من تضحيات وسجون ومعتقلات، وإن كان النظام تفنن في ظلمنا فإن الله عزَّ وجلَّ هو ولينا والقادر على نصرتنا وحمايتنا من ظلم الظالمين، فنحن فوَّضنا أمرنا إليه.

 

وتتذكر زوجة الشاطر العديد من أشكال الظلم التي وقعت على زوجها بل وعلى عائلتها كلها، مشيرةً إلى أن أبرز صور هذا الظلم عدم تنفيذ أحكام محكمة الجنايات لمرتين متتاليتين بالإفراج عن المهندس خيرت الشاطر، وبدلاً من أن يحترم النظام القضاء وينفِّذ أحكامه، يقوم بإهانته وانتهاكه وتحويل زوجها ومن معه إلى المحكمة العسكرية، وتضيف قائلةً: ما حدث أقسى أشكال الظلم ليس على زوجي فقط وإنما الظلم ضد القضاء المدني المحترم برفض تنفيذ أحكامه.

 

محطات لا تُنسى

سألت زوجة الشاطر عن أبرز المحطات والقرارات التي اتخذتها الأسرة في كل فترات السجن، والتي اقتربت من 11 عامًا، وكانت بحاجة لوجود الوالد، إلا أنها لم تفكر كثيرًا في أهم المحطات أو أبرز القرارات وردت بسرعة قائلة: لم يمر علينا يوم طوال فترات حبس زوجي، والتي اقتربت من 11 عامًا إلا وكنا نعيش في معاناة بشكل مختلف، ولك أن تتخيل حال زوجة أولادها صغار، يمرون بمحطات مهمة مثل نجاحهم ومرضهم وزواجهم.. فكلها قرارات مصيرية تتطلب أن يكون الأب هو صاحب القرار فيها، فهي كما يقولون قرارات تحديد مصير.

 

وتضرب الحاجة عزة مثالاً بابنتها خديجة؛ حيث حصلت على مجموع 92% في الثانوية العامة أدبي عام 1995م وكانت الأولى على دفعتين (الدفعة المزدوجة)، ووقتها أخبرنا والدها النتيجة وهو يصعد سيارة الترحيلات عائدًا من النيابة إلى سجنه، فقلنا له الخبر في الشارع على مرأى ومسمع من كل الذين كانوا موجودين في محيط النيابة، وكنا نريد أن نعرف منه؛ ما الكلية التي يجب أن تدخلها لأن الرغبة الأولى التي ستكتبها سوف تحصل عليها؛ فهل تدخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أم الإعلام أم الألسن؟.. أعتقد أنه قرار مصيري سوف يحدِّد مستقبل ابنتنا، وكان يجب أن يكون والدها موجودًا ليشاركنا فرحتنا ويحدِّد معنا هذا المصير، ومثل هذا الموقف وإن اختلفت وسيلة الإبلاغ تكرر في معظم شهادات أبنائنا، والتي كان فيها والدهم خلف القضبان.

 

وتضيف الزوجة: أما باقي القرارات الأخرى المهمة والمصيرية؛ فكانت تتم خلف القضبان، وفي ظلِّ الحراسة والتضييق خلال الزيارات، بخلاف أي أسرة أخرى، فهي قرارات كانت تتم في ظروف استثنائية، وأبرزها بالطبع زواج بناته، فمعظم بناتي تزوجن ووالدهن في السجن، وأزواجهن تقدموا لهن في السجن، وحددوا كل إجراءات الزواج ووالدهن في السجن، وحتى الأحفاد الذين هم فلذات الأكباد وعددهم 17، وُلِد 15 منهم وهو في السجن.

 

الله معنا

شريط ذكريات الحاجة عزة طوال 11 سنةً سجنًا واعتقالاً لزوجها يقف عند محطة مهمة، قالت: إنها النعم التي تصاحب المحن، مؤكدة أنه رغم قسوة السجن والظلم والفراق إلا أننا نشعر في كل مناسبة أو أزمة بأن الله عز وجل معنا ولن يتركنا، وضربت أمثلة عديدة مثل تعرض إحدى بناتها لعملية جراحية خطيرة، وكان فضل الله عليهم كبيرًا، وتؤكد ربما لو كنا في نفس الموقف وكان والدها معنا لما تجاوزنا هذه المحنة بهذا الفضل من الله عز وجل.

 

 

الشاطر خلال حضوره عقد زواج كريمته

سألت الحاجة عزة عن الخبر السيئ الذي احتارت كيف توصله لزوجها وهو في السجن، ولكنها في النهاية كان يجب أن تخبره به، وبدون تردد أيضًا قالت إنه خبر وفاة والدته رحمها الله في القضية الحالية، ومرض والده في قضية 95.

 

وتوضح الزوجة أنها لم تقل له خبر وفاة والدته بشكل مباشر، وإنما سألته لو تُوفيت- لأنها كانت مريضة- هل تفضل أن نسعى في إجراءات خروجك لتشيعها أم لتقبل العزاء فيها، وكان وقتها المهندس خيرت في المستشفى للعلاج، وكان في انتظار جلسات المسح الذري، ولا بد من اتخاذ القرار بسرعة، وتتوقف الزوجة للحظات، ثم تضيف قائلة: "أحسب أن المهندس خيرت على صلة جيدة مع ربه، ولذلك فهو كان يعرف الأخبار قبل أن نقولها له؛ حيث كان يراها رؤى في منامه، وهو ما كان يخفِّف عنه كثيرًا من الصدمات، ولذلك عندما بدأت أحدثه عن مرض والدته وما الإجراءات التي نقوم بها؟ أحس بالخبر، وقرر في لحظتها أن يشارك في إجراءات الدفن رغم أهمية جلسات العلاج، وتؤكد الحاجة أن هذا الموقف ليس الوحيد في هذا الإطار، وإنما هناك مواقف عديدة كان يعرفها من خلال الرؤى قبل أن نقولها له، وفي هذا رحمة من رحمات الله؛ لتخفيف المحن والابتلاءات علينا وعليه.

 

رمضان والمناسبات

خلال الحديث مع زوجة الشاطر جاء ذكر شهر رمضان المبارك؛ فسألتها: كيف يكون رمضان في ظلِّ غياب المهندس الشاطر؟! فردت متسائلة: ليس رمضان فقط، وإنما الأعياد أيضًا فهناك تقريبًا 22 عيدًا ما بين أعياد الفطر والأضحى لم يكن فيها رب الأسرة موجودًا؛ لأنه إما رهن اعتقال أو مسجون في قضية، ولذلك فإن الجو الرمضاني القائم على لمِّ شمل الأسرة والعائلة لم نشعر به؛ لأنه غير موجود من الأساس؛ لأن أبناءه عندما كبروا وبدءوا يشعرون بهذا الجو لم يكن والدهم موجودًا معهم.

 

سألت الزوجة عن العلاقات الاجتماعية بين البنات وأزواجهن من جهة ووالدهن المعتقل من جهة أخرى.. فَكَّرَت بعض الوقت ثم قالت: أعتقد أن المهندس خيرت لم يدخل منزل ثلاثة من بناته المتزوجات وهن: مريم، وسارة، وحفصة، إلا أن الابنة الكبرى الزهراء تبادلت الحديث مع والدتها حول زيارة الأب لمنزل سارة مرة واحدة، وبعد نقاش مستفيض شعرت أنها مشكلة في حدِّ ذاتها ألا تعرف الأسرة من الابنة التي زارها الأب، وما عدد مرات الزيارة؟! وفي النهاية قالت الزوجة: حتى لو زار بناته فإنها ربما زيارة لمرة واحدة، قد لا تتذكرها إلا من كانت عندها الزيارة، خاصة أن الله رزقنا بثماني بنات، 7 منهن تزوجن وهو في السجن.

 

حب الناس

 الصورة غير متاحة

الزهراء خيرت الشاطر

الزوجة التي تتعرض للظلم على يد نظام لا يعرف حدًّا لخصومته مع زوجها، تؤكد أن النظام المصري منح زوجها شُهرة كبيرة في الداخل والخارج، وهي الشهرة التي كانت لها نتائج غير متوقعة على مدى تفاعل الناس مع قضية زوجها، وسردت الزوجة العديد من النماذج مثل صاحب مكتب لتصوير المستندات رفض تقاضي أي مقابل عندما قامت إحدى بناتها بتصوير بعض الأوراق الخاصة، وكان من بينها بطاقتها الشخصية، فعندما قرأ الاسم سألها: "هو انتي ابنة المهندس خيرت الشاطر بتاع الإخوان المسلمين؟"، وعندما أجابت بنعم، أقسم ألا يتقاضى أي مقابل منها، وأخذ يعدد مساوئ النظام، وأن والدها بطل يجب أن تفتخر به، وهو ما كان يتكرر أيضًا في المصالح الحكومية؛ حيث كان يعاملنا الموظفون باعتبارنا نجومًا للمجتمع، لدرجة أن أحد الموظفين في الشهر العقاري رفض تقاضي مقابل لبعض الإجراءات التي كنا نقوم بها، وأراد أن يسددها من جيبه الخاص تعبيرًا عن تقديره لقضية زوجي، وحتى أساتذة الجامعات كانوا دائمي التقدير لأبنائي خلال المحاضرات؛ حتى إن أحد أساتذة ابنتي خديجة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والذي كان لا يتهاون في مسألة الحضور والغياب، ويرفض أي أعذار يقدمها الطلاب، استجاب بسهولة لافتة لطلب ابنتي الغياب عن المحاضرة لكي تتمكن من زيارة والدها.

 

أما الأكثر من ذلك فهو حالة الدعم المعنوي التي كان يقدمها ضباط وجنود الشرطة العسكرية لنا خلال المحاكمات، وكانوا يقولون لنا ولأبنائنا: لا بد أن تفتخروا بآبائكم، فهم مظلمون ويستحقون التقدير، فهم أبطال، وأن أي ظلم لا بد له من نهاية، وبعضهم كان يبكي عندما يتحدث أحد المعتقلين من داخل القفص أو عندما يستمع لمرافعة من أحد أعضاء هيئة الدفاع، وعندما صدرت الأحكام، كثير منهم بكى على الظلم الواقع على أزواجنا.

 

الفرق بين المحكمتين

لأن الشاطر كان على رأس القضيتين العسكريتين عامي 1995 و2006م سألت زوجته الحاجة عن الفرق بين المحاكمتين، وأيهما كان أكثر مهزلة من الأخرى، فردت قائلة في محكمة 95 كانت القضية مسرحية كوميدية بامتياز؛ لأن الحكومة لم تكن تخطط لمثل هذه القضايا بشكل دقيق، ولم يكن هناك أي مقومات للقضية، ويكفي أن ضابطًا واحدًا كان مسئولاً عن التحريات لـ 84 متهمًا، وعندما انسحبت هيئة الدفاع عينت الحكومة هيئة دفاع من عندها، وكان أكبر جهد لهذه الهيئة الحكومية هو المطالبة بتخفيف العقوبة وليس المطالبة بالبراءة.

 

أما في قضية 2006م فكان الوضع مختلفًا رغم هشاشة القضية وعدم منطقيتها، وتحولت المسرحية الهزلية في الأولى إلى "تراجيدية" في الثانية استمرت لأكثر من 70 جلسة، وكان فيها مرافعات مؤثرة وهيئة دفاع نسفت القضية من أساسها، لكن النهاية في كلتا المهزلتين كانت واحدة.

 

وأتذكر أن النيابة العسكرية في قضية 95 كانت في صالحنا، وفندت كثيرًا من اتهامات الداخلية للمعتقلين، وفي 2006م كان رئيس المحكمة يستمع باهتمام للمرافعات والردود القانونية لهيئة الدفاع، ولكن كان لسان حاله يقول: "يا جماعة أنا مُسَيَّر وليس لي اختيار في أحكامي"، وكما قلت كانت النهاية في القضيتين واحدة.

 

الإفراج من عند الله

مع تجاوز المهندس خيرت لنصف مدة حبسه في هذه القضية بل وتجاوزه لثلاثة أرباع المدة في حالة ضم فترات الحبس الاحتياطي السابقة لهذه القضية؛ هل تنتظر أسرة الشاطر الإفراج عن عائلهم مع احتفالات 23 يوليو؟، قالت الزوجة: إنها تثق في قدرة الله ورحمته، وتنتظر الإفراج من المولى عز وجل، وليس من أحد غيره، مشيرةً إلى أن أفضل شيء فعله هذا النظام أنه جعلهم متعلقين أكثر بالله عز وجل، وأن رجاءهم في الله وليس في أحد سواه، خاصة أنه لا يُرْجَى من نظام فاسد أي إصلاح، بل لا يتوقعون منه إلا الضرر، وفي النهاية سيقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

 

وتضيف الزوجة أن زوجها يعتبر نفسه في هذه القضية وكأنه في العشر الأواخر، ولكن ليس من رمضان ولكن من عمره؛ حيث تجاوز الستين وهو يرى في هذه المحن فرصةً للتقرب من المولى، واختبارًا لصبره على الابتلاءات وطاعة الله في المصائب والمكاره.

 

في نهاية حديثنا معها، وجَّهت زوجة الشاطر لومًا إلى وسائل الإعلام التي ظلمت زوجها بعدم تبني قضيته في الوقت الذي أفردت الصفحات لقضايا فساد أخرى مثل: قضية أكياس الدم الفاسدة، وقضية هشام طلعت مصطفى، وقضية العبارة، وتضيف قائلة: "أشعر بمرارتين الأولى خاصة بظلم زوجي، والثانية عامة؛ مما يتعرض له الوطن من ظلم وفساد، وفي النهاية فإن الله هو حسبنا ونعم الوكيل.

 

الابن يتذكر

 الصورة غير متاحة

 حسن خيرت الشاطر

حسن الابن الأصغر للمهندس خيرت الشاطر عمره 17 عامًا يقول: إنه عاش أكثر من ثلاثة أرباع عمره ووالده إما في السجن أو المعتقل، ويضيف أنه في القضية الأولى لم يكن يعي ما يحدث، بينما اختلف الوضع في القضية الثانية، ويتذكر حسن أكثر المواقف تأثرًا في حياته عندما تعرض للإجهاد قبل موعد زيارة والده وأغمي عليه في المدرسة، وكان لا يريد أن يخبر أسرته حتى لا يخبروا والده، ولكنه عرف في النهاية بإحساسه.

 

ويؤكد حسن أنه فخور بوالده ويشعر أنه يقدِّم للوطن خدمة كبيرة؛ لأنه في طليعة الإصلاحيين الذين يريدون تغيير أحوال مصر السيئة، مهما كلفه ذلك من تضحيات وسجن واعتقال.

 

وتمنى أن يكون والده بجواره في كل المناسبات، إلا أنه أيضًا يعلم جيدًا أنه في مهمة وطنية حتى لو كانت هذه المهمة خلف قضبان الظلم والقهر.

 

ويقدِّم حسن الشكر لوالدته التي بذلت معهم مجهودًا كبيرًا لإصلاح ما أفسده النظام في نفوسهم، فهم عندما كانوا صغارًا وكانوا يشاهدون والدهم معتقلاً يكرهون الحكومة والوطن الذي ظلم والدهم، ولكن الأم بذلت مجهودًا كبيرًا لتغيير هذه الصورة، وهي أن مصر ملك لنا فهي وطننا، وأن "أمن الدولة" ليست كلَّ الشرطة، والنظام وحكومته ليس هو كل مصر، فهي معاني مهمة كان يؤكد عليها والدنا عندما كنا نزوره، سواء في المحكمة أو السجن أو خلال العرض على النيابة.