- استشعار المسئولية "أنت في الميدان وحدك"

- الافتقار إلى الله وإلى عونه وتأييده

- الاستعداد لعمل طويل يزيد مع الأيام ولا ينقص

مضى عهد النوم..

هذا الحديث موجَّه إلى كل الإخوة والأحباب من أبناء الدعوة المباركة، وأيضًا أبناء حزب الحرية والعدالة، وإلى كل من آمن بمبادئ الدعوة وأهدافها وبرامج الحزب وأهدافه ووسائله.

 

استشعار المسئولية "أنت في الميدان وحدك"..

المرحلة القادمة والأيام المقبلة في المستقبل القريب والمستقبل المنظور؛ علينا أن ندرك ثقل التبعة والأمانة الملقاة على عاتقنا فيها، فمن يتحمَّل مسئولية بلد وشعب نهبت ثرواته وعطّلت مصالحه وعشّش الفساد- ولا يزال- في كل مؤسساته وهيئاته, وضرب الإحباط واليأس والفقر كل أبنائه؛ مما أفقد الناس الثقة في المسئولين جميعهم ولم يعد أحد يصدق وعودًا ولا خطبًا ولا برامج وتطمينات هنا وهناك.. ولكن الشعب في أحسن حالاته اليوم يعيش على الأمل والأمنيات فقط، والتي إن فقدها ضاعت البلاد وتفكَّكت البنية التحتية والنسيج الاجتماعي، وهو الذي يجب أن يوضع موضع الاهتمام الأعلى.

 

لذلك علينا أن ندرك جميعًا أن الشعب من حقه أن يرى شيئًا ملموسًا يعيد إليه الثقة التي لا تتزعزع بسهولة، وإن لم تستطع أن تقدم للجماهير والشعب شيئًا ملموسًا يراه ويحسه ملموسًا في حياة الناس جميعهم؛ فعليك أن ترحل عن أعين الناس سريعًا, وعلى الجميع أن يستشعر أنه في الميدان وحده يعمل ولا ينتظر أحدًا؛ لأن آفة التواكل ضيَّعت نتائج وأعمالاً كثيرة, ولا تكن كحال الشعب الذي كان يحكمه ملك ظالم فأراد وزيره الاحتفال بعيد جلوس الملك على العرش، فقال: كل من يحب الملك عليه أن يعبِّر عن حبه بكوب من العسل يضعه في إناء كبير وُضع في وسط المدينة ووضعوا الإناء ليلاً ليعبر الناس عن حبهم للملك في جوف الليل، ولكن الذي حدث أن كل واحد فكر في أن يضع كوب ماء بدلاً من العسل، ظنًّا منه أنه لن يَعرفه أحدٌ؛ لأن كوبًا واحدًا من بين آلاف الأكواب لن يظهر أو يُعرف، وكانت المفاجأة أن الإناء قد امتلأ عن آخره بالماء؛ نظرًا لأن الجميع فكروا بنفس الطريقة.. فاحذر من التواكل!.

 

الافتقار إلى الله وإلى عونه وتأييده..

ذلك أن العبد يسعى وينتظر التوفيق والسداد من الله، وأن العبد بسعيه سبب وستار لقدرة الله التي تعمل في الخفاء, والنبي المعصوم صلى الله عليه وسلم كان مؤيدًا من ربه، ويعلم أن الله ناصره، لكنه يوم بدر يدعو ويلحُّ على الله في الدعاء: "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض بعد اليوم".

 

ويوم الطائف حين وجد الإعراض والصدود من أهلها وسوء استقبالهم له وسوء سلوكهم ومعاملتهم معه؛ لم يدعُ عليهم ولم يتهمْهم بقلة الوعي ولا بسوء الأدب ولا خروجهم على آداب العرب وتقاليدهم، ولم يستشعر في نفسه أداء المهمة، وأنه أدى ما عليه, بل رأى أن التقصير من عنده فسأل الله العون على ضعفه وقلة حيلته في التبليغ والأداء، وعبَّر عن ذلك بدعائه الشهير: "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي ....."، هذا الشعور الدائم بالفقر إلى الله والاحتياج إليه وإلى تأييده وتوفيقه ونصره يدفع إلى المزيد من العمل والجهد والإخلاص.

 

الاستعداد لعمل طويل يزيد مع الأيام ولا ينقص..

يظن بعض الإخوة الكرام أن انتهاء الانتخابات هو انتهاء للحالة الاستثنائية في العمل والعودة إلى المربع واحد في العمل التطوعي والدعوي، وهكذا أسمعهم يتحدثون: "لها كام يوم يا جماعة ونستريح بعدها"، "باقي أسبوع يا شباب يجب أن نواصل الجهاد فيه"، "ربنا مدَّ لنا أسبوع آخر من الجهاد لنشهد جولة الإعادة"، وهذا شعور جميل، لكنَّ علينا أن ندرك أن الجهد وبلوغ مداه من الجهاد لا ينتهي بانتهاء الانتخابات، وأن الحالة الاستثنائية في العمل أثناء الانتخابات لن تتوقف بانتهائها، بل المطلوب أكثر- مع الفارق الوحيد- هو اتساع الوقت زمنًا؛ حيث إن واجب الوقت هنا قد اتسع زمنًا في الوقت الذي ستزيد فيه المهام والأعباء أكثر، ويجب أن نوطِّن أنفسنا لعمل الليل والنهار، مع ترتيب الأولويات في العمل، وترتيب الجهد؛ لضمان الاستمرار، وهذه مهمة الإدارة, وعلينا أن نتذكر جميعًا أن المهام ليست مهام مجلس الشعب ومتطلباته فقط، بل شعب وشورى ومحليات ونقابات ومحافظات وحكومة بوزرائها ومصالح حكومية ومجالس محلية وأخطبوط الفساد الإداري بها، فضلاً عن المتربِّصين الذين كانوا ينعمون بأوضاع مادية واجتماعية في النظام السابق وامتيازات عالية جدًّا يودون الحفاظ عليها أو الانتقام ممن سلبهم إياها.

 

مضى عهد النوم..

لذا أقول إن من استشعر ذلك كله وعاش معه بحواسه وجوارحه لن يكتحل بالنوم يومًا..
أحد التابعين كان في رحلة مع أصحابه فامتطوا سفينة في البحر سارت بهم حتى رست على شاطىء جزيرة نزلوا بها، فوجدوا رجلاً يعبد صنمًا فتعجبوا، وسألوه عن إلهه؟ وما يعبد؟ فأشار إلى الصنم، ودار بينهم وبينه حوار انتهى بإسلامه، فركب معهم السفينة وساروا في البحر عائدين فانتشر الركب في السفينة وفي أرجائها لينعموا بقسط من النوم والراحة, فنادى عليهم: يا هذا.. يا هؤلاء.. ماذا تفعلون؟! قالوا ننام لنستريح قليلاً فقال لهم: وهل ربكم ينام؟! قالوا: لا حاشاه!!, قال: لهم بئس العبيد أنتم!! تنامون وتعبدون ربًّا لا ينام.