السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. 

هل يحق للولي أن يمنع زواج ابنته ممن خطبها ورضيت به ورضي هو به في أول الأمر؟، وكان يعرف ما به من عيوب؛ ولكن لاختلافهما في الأمور المادية أصر على إنهاء هذه الخطبة مع أن الزواج كان سيتم بعد فترة قصيرة؟!، ومع علمه أيضًا أن ابنته تعلقت بهذا الشخص وتعلق بها وأحبته وأحبها؟

وهل يحق للولي أن يقوم بفسخ هذه الخطبة بالرغم من عدم رضى الفتاة؟ وهل يجوز له ذلك مع علمه أن المشاعر التي بينهما لا يبتغون بها إلا الحلال؟! أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (لم ير للمتحابين مثل النكاح)!

علمًا أني تركت هذا الشخص امتثالاً لأمر أبي لكني أشعر بظلم واضطهاد في حقي الذي أعطانيه ربي، ثم أثر ذلك أيضًا في رفضي لكل من يتقدم لي، فإما أن يرفضهم أبي لذات الرفض، وإما أن أرفضهم لأني لا أستطيع أن أخدع أحدهم أو أظلمه، لأن القلوب لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإنني كل يوم أدعو الله أن هذا قسمي فيما أملك فلا يؤاخذني بما يملك ولا أملك، وأن يرد عليّ هذا الخطيب إن كان فيه خيرًا لي في ديني ودنياي، فهل يجوز ذلك أم لا؟

علمًا أني لا أحب أن أعصي الله حتى ولو بالتفكير، ولا أحب أن أعصي الله في أبي، ولإحساسي بالظلم بدأت أتجنب الجلوس معه، وبدأت نفسي تؤلمني مما فعله بي، وقد جعلني في وضع وحالة تجعلني أفكر في هذا الشخص بعد أن كان في الحلال إلى وضع آخر، فأرشدوني للصواب وشكرًا.

يجيب عنها: الدكتور أسامة يحيى الاستشاري الاجتماعي في (إخوان أون لاين)

أحمد الله إليك، وأصلي وأسلم على خير خلقه.. وبعد

ما حدث معك يا ابنتي نتيجة مباشرة لعدم وجود حوارات بناءة مثمرة بين والدك وبينك في شتى مناحي الحياة، الأمر الذي تسبب في اتساع الشقة في الفهم والإدراك والتمييز والتفكير والتصرف بينكما.

تقولين أن بخطيبك عيوبا يعرفها والدك، ربما رآها والدك كثيرة لا تحتاج إلى المزيد، فلما جاءت الخلافات في الاتفاقات المادية قصمت ظهر البعير، إن من حقك أن تعرفي الدوافع الحقيقية التي بسببها رفض والدك خطيبك رغم علمه بمقدار الحب الذي بينكما، ولن تعرفيها إلا بالحوار المثمر وربما بعدما تسمعيها لن تقدريها حق قدرها إلا بعد مرور أعوام.

يا ابنتي.. من طبيعة الأب السوي الاجتهاد في تزويج ابنته، فهو لا يريدها بجواره إلى الأبد، بل سيسعى لتزويجها ممن يراه ملائمًا لها، وهو في اجتهاده قد يصيب وقد يخطئ، إن شرف البنت وروعة البنت وجمال البنت في طاعتها لولي أمرها بعد مناقشته في أمورها مناقشة محترمة تليق بالابنة البارة العفيفة مع الأب الحكيم الحنون.

والواقع يخبرنا أن هناك من الآباء من له مقاييس في تزويج بناته تبتعد عن مقاييس الدين التي أخبرنا بها الرسول- صلى الله عليه وسلم- "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، والابتعاد عن هذا النهج النبوي الشريف أوقعنا في أخطاء جمة.

ولذلك يجب على الآباء أن يجمعوا أولادهم ذكورًا وإناثًا في جلسات وهم في سنوات الدراسة الابتدائية (بالنسبة للبنات) وفي سنوات الدراسة الثانوية (بالنسبة للصبيان) ليتناقشوا معهن ومعهم عن أحلامهن وأحلامهم حول شركاء الحياة، وفي المناقشة ستذوب الأفكار وتتحسن التصورات وتنسجم الآراء فيخرج الآباء والأبناء منها وهم أكثر التحامًا وأشد تماسكًا وأروع تجانسًا، إنها مواضيع هامة وحيوية تشغل تفكير البنات منذ الصغر وتفكير الصبيان بعد البلوغ بقليل، فلماذا نترك أولادنا صبيانًا وبنات يفكرون ويتخيلون ويعتقدون وحدهم ويبنون صروحًا من الأفكار والتخيلات والمعتقدات ربما تحيد بهم عن الصواب كثيرًا، يبنون صروحًا من الأفكار والتخيلات والمعتقدات في غيبة منا، يبنون صروحًا من الأفكار والتخيلات والمعتقدات مع قريناتهن وأقرانهم، ومع الأيام تتجذر هذه الأفكار التخيلات والمعتقدات في نفوسهن وأنفسهم وتتكلس في عقولهن وعقولهم فيصبح من العسير نزعها منهن ومنهم.

أما في حال ما إذا كان ولي الأمر الفتاة قد قصر أو أعنت أو تجاهل أو عجز عن تزويج ابنته، فأين رجال العائلة ودورهم في إصلاح الأمور. فعلى البنت التي شعرت بقهر أو ظلم في أمر تزويجها ألا تتصرف بمفردها وبفكرها وحدها فتتحمل نتيجة خياراتها وحدها، وعليها التوجه لعمها أو خالها أو من لديه كلمة مسموعة من رجال العائلة لدى والدها وتدفعه ليؤدي دوره في تقديم الدعم والنصح المناسبين.

يا ابنتي.. لا أنصحك بأن تتصرفي وحدك وكأنه لا أهل لك، فذاك أمر بلاياه أكثر من محاسنه، كما يجب أن تعلمي أن الحب وحده لا يبني البيوت، وإن كان هامًّا إذا استند على أسس صحيحة، ولا يكون كنوع من هذا الحب الرومانسي الذي يصم ويعمى ويخدر المحبين فلم يعودا يشعران بعيوب الآخر القاتلة ويستهينان بمساوئه المدمرة بدعوى أن الحب الذي بينهما سيفعل المعجزات وسيحسن من كل أمر.

 

يا ابنتي.. اجلسي مع والدك ولا تتجنبيه كما تفعلين الآن، فأنت وهو بحاجة لمزيد تواصل وتفاهم وتجانس في الرؤى والأفكار والتصورات، وأخبريه بكم الحزن الذي ألم بك بسبب رفضه لمن أحببتيه، وتفحصي من سيخطبك بالمستقبل، ولا تجعلي من رفض من يتقدم إليك سبيلاً للاعتراض على مسلك والدك معك وانتقامًا منه، فإذا رضيت به صارحى والدك بذلك وتمسكي به، فإن وجدت عنتًا من والدك فادفعي بكبير بالعائلة يساندك ويدعمك أو ينصحك ويصرفك.

 

يا ابنتي.. لا تقتلي نفسك حزنًا على ما فات.. فما فاتك ما كان ليصيبك.. وكفي عن التفكير في خطيبك السابق حتى لا يضيع الماضي حاضرك ومستقبلك.. فالله وحده العليم بمكامن الخير وأنه- إن شاء الله- سيكنز لك زوجًا رائعًا يكون لك هدية في دنياك وأخراك جزاء طاعتك لله في والدك.

 

نزع الله من صدرك الضيق وألهمك صبرًا وعوضك خيرًا.